استدل بعض العلماء بأن الذنوب تحول بين الإنسان، والعلم بقوله تعالى: {إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيماً * واستغفر الله إن الله كان غفوراً رحيماً} [النساء: 105، 106]؛ فقال تعالى: {لتحكم}، ثم قال تعالى: {واستغفر الله}؛ فدل هذا على أن الاستغفار من أسباب فتح العلم - وهو ظاهر -؛ وبقوله تعالى: {فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظاً مما ذكروا به} [المائدة: 13]؛ لأن الذنوب - والعياذ بالله - رين على القلوب، كما قال تعالى: {كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون} [المطففين: 14]؛ فإذا كانت ريناً عليها فإن الاستغفار يمحو هذا الرين، وتبقى القلوب نيرة مدركة واعية.
6 - ومن فوائد الآية: إثبات العجب لله سبحانه وتعالى؛ لقوله تعالى: {فما أصبرهم على النار} - على أحد الاحتمالين -؛ وهو من الصفات الفعلية؛ لأنه يتعلق بمشيئته؛ وكل صفة من صفات الله تتعلق بمشيئته فهي من الصفات الفعلية.
فإذا قال قائل: ما دليلكم على أن العجب يتعلق بمشيئته؟
فالجواب: أن له سبباً؛ وكل ما له سبب فإنه متعلق بالمشيئة؛ لأن وقوع السبب بمشيئة الله؛ فيكون ما يتفرع عنه كذلك بمشيئة الله.
7 - ومنها: توبيخ هؤلاء الذين يكتمون ما أنزل الله؛ لقوله تعالى: {فما أصبرهم على النار}؛ وكان الأجدر بهم أن يتخذوا وقاية من النار لا وسيلة إليها.
8 - ومنها: الإشارة إلى شدة عذابهم، كما يقال في شخص أصيب بمرض عظيم: «ما أصبره على هذا المرض»، أي أنه مرض عظيم يؤدي إلى التعجب من صبر المريض عليه.
القرآن
{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (176)} [البقرة: 176]
التفسير:
ذلك العذاب الذي استحقوه بسبب أن الله تعالى نزَّل كتبه على رسله مشتملة على الحق المبين، فكفروا به. وإن الذين اختلفوا في الكتاب فأمنوا ببعضه وكفروا ببعضه، لفي منازعة ومفارقة بعيدة عن الرشد والصواب.
قوله تعالى تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نزلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ} البقرة: 176]، " يعني: ذلك العذاب، بأن الله نزل الكتاب بالحق فأنكروه وكفروا به" (?).
قال المراغي: أي: ذلكَ العذابُ لهم في الآخرة، "الذي تقرّر لهم بسبب أن الكتاب جاء بالحق، والحق لا يغالب، فمن غالبه غلب" (?).
قال ابن عثيمين: " و {الكتاب} المراد به الجنس: القرآن، والتوراة، والإنجيل، وغيرها من الكتب التي أنزلها الله" (?).
وقيلَ معنى قوله {ذَلِكَ}: "ذلك الضلالُ" (?).
وقد اختلف أهل التفسير في دلالة اسم الإشارة {ذَلِكَ} [البقرة: 176]، وذكروا ثلاثة أوجه (?):
أحدهما: أن معنى {ذَلِكَ}: فعلُهم هذا الذي يفعلون من جراءتهم على عذاب النار، في مخالفتهم أمر الله، وكتمانهم الناسَ ما أنزل الله في كتابه، وأمرَهم ببيانه لهم من أمر محمد صلى الله عليه وسلم وأمر دينه من أجل أن الله تبارك تعالى {نزل الكتاب بالحق}، وتنزيله الكتاب بالحق هو خبرُه عنهم في قوله لنبيه محمد صلى