النبي صلى الله عليه وسلم؛ والتاء فاعل يعود على الله سبحانه وتعالى المتكلم؛ وأما السنة ففي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «عجب ربنا من قنوط عباده وقرب غِيَرِه» (?)؛ وعلى هذا فالعجب لله ثابت بالكتاب، والسنة؛ فلا مانع من أن الله يعجب من صبرهم؛ فإذا قال قائل: العجب يدل على أن المتعجب مباغَت بما تعجب منه؛ وهذا يستلزم أن لا يكون عالماً بالأمر من قبل - وهو محال على الله -؟
فالجواب: أن سبب العجب لا يختص بما ذكر؛ بل ربما يكون سببه الإنكار على الفاعل، حيث خرج عن نظائره، كما تقول: «عجبت من قوم جحدوا بآيات الله مع بيانها، وظهورها»؛ وهو بهذا المعنى قريب من معنى التوبيخ، واللوم؛ ومن المفسرين من قال: إن المراد بالعجب: التعجيب؛ كأنه قال: اعجب أيها المخاطب من صبرهم على النار؛ وهذا وإن كان له وجه لكنه خلاف ظاهر الآية.
وأما الجواب عن السؤال الثاني: - وهو كيف يتعجب من صبرهم مع أنهم لم يصبروا على النار – فقال أهل العلم: إنهم لما صبروا على ما كان سبباً لها من كتمان العلم صاروا كأنهم صبروا عليها، مثلما يقال للرجل الذي يفعل أشياء ينتقد فيها: ما أصبرك على لوم الناس لك مع أنه ربما لم يلوموه أصلاً؛ لكن فعل ما يقتضي اللوم؛ يصير معنى: {ما أصبرهم على النار} أنهم لما كانوا يفعلون هذه الأفعال الموجبة للنار صاروا كأنهم يصبرون على النار؛ لأن الجزاء من جنس العمل، كما تفيده الآيات الكثيرة، فيعبر بالعمل عن الجزاء؛ لأنه سببه المترتب عليه؛ و {النار} هي الدار التي أعدها الله سبحانه وتعالى للكافرين والظالمين؛ لكن الظلم إن كان ظلم الكفر فهم مخلدون فيها؛ وإن كان ظلماً دون الكفر فإنهم مستحقون للعذاب بحسب حالهم" (?).
الفوائد:
1 - من فوائد الآية: أن سبب ضلال هؤلاء وكتمانهم الحق أنهم لم يريدوا الهدى؛ وإنما أرادوا الضلال والفساد - والعياذ بالله -؛ لقوله تعالى: {أولئك الذين اشتروا ... } إلخ.
2 - ومنها: الرد على الجبرية؛ لإضافة الفعل إلى الفاعل.
3 - ومنها: أن كتمان العلم أو بيانه لغرض من الدنيا من الضلال؛ وذلك؛ لأنه جاهل بما يجب على العالم في علمه من النشر، والتبليغ، ولأنه جهل على نفسه، حيث منعها هذا الخير العظيم في نشر العلم؛ لأن من أفضل الأعمال نشر العلم؛ فإنه - أعني العلم - ليس كالمال؛ المال يفنى؛ والعلم يبقى؛ أرأيت الآن في الصحابة رضي الله عنهم أناس أغنياء أكثر غنًى من أبي هريرة رضي الله عنه وذِكر أبي هريرة بين الخاص والعام الآن أكثر، والثواب الذي يأتيه مما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم من أحاديث أكثر وأعظم؛ ثم أرأيت منزلة الإمام أحمد بن حنبل، ونحوه من الأئمة مع من في عهدهم من الخلفاء، والوزراء، والأغنياء، هل بقي ذكرهم، كما بقي ذكر هؤلاء الأئمة؟ ! ! فكتمان العلم لا شك أنه ضلالة في الإنسان، وجهالة.
4 - ومن فوائد الآية: أن عقوبة الله لهم ليست ظلماً منه؛ بل هم الذين تسببوا لها، حيث اشتروا الضلالة بالهدى؛ والله عز وجل ليس بظلام للعبيد.
5 - ومنها: أن نشر العلم، وإظهاره، وبيانه من أسباب المغفرة؛ لأنه جعل لهم العذاب في مقابلة الكتمان، واختيارهم العذاب على المغفرة، والضلالة على الهدى؛ فدل ذلك على أن نشر العلم من أسباب مغفرة الذنوب؛ كما أن الذنوب أيضاً تحول بين الإنسان، والعلم، فكذلك كتم العلم يحول بين الإنسان، والمغفرة؛ وقد