الثالث: أن الله تعالى ذكره بعد هذه الآية: {إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا} [البقرة: 166]، وذلك لا يليق إلا بمن اتخذ الرجال أنداد وأمثالا لله تعالى، يلتزمون من تعظيمهم والانقياد لهم، ما يلتزمه المؤمنون من الإنقياد لله تعالى.

الثالث: وقيل: "أن كل شيء شغلت قلبك به سوى الله تعالى، فقد جعلته في قلبك ندا لله تعالى وهو المراد من قوله: {أفرأيت من اتخذ إلاهه هواه} (الفرقان: 43) " (?).

وأجاز البيضاوي القول الأخير، فقال البيضاوي: " ولعل المراد أعم منهما وهو ما يشغله عن الله" (?).

قلت: وهذا القول الأخير ولو أن معناه صحيح، لكنه بعيد عن سياق الآية إذ أنها تتحدث عن الكفار وشركهم بالله. والله أعلم.

والقول الأول أصح؛ " أي فهم يحبون هذه الأصنام، ويعتقدون أنها تنفع، وتضر؛ ولا فرق في ذلك بين من يتخذ محبوباً إلى الله عز وجل، أو غير محبوب إليه؛ فمن اتخذ النبي صلى الله عليه وسلم نداً لله في المحبة، والتعظيم، كمن اتخذ صنماً من شجر، أو حجر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الصنم كلاهما لا يستحق أن يكون نداً لله عز وجل؛ ولهذا لما نزلت: {إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون} [الأنبياء: 98]، وكان ظاهر الآية يشمل الأنبياء الذين عُبدوا من دون الله، استثناهم الله سبحانه وتعالى في قوله: {إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون} [الأنبياء: 101]- ولو عُبِدوا من دون الله -؛ وقال النبي صلى الله عليه وسلم لرجل قال له: «ما شاء الله وشئت»: «أجعلتني لله نداً! ! ! بل ما شاء الله وحده» (?)؛ فأنكر عليه أن يجعله نداً لله" (?).

قوله تعالى: {يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ} [البقرة: 165]، " أي: " يحبونهم كحب الله ويسوّون بينه تعالى وبينهم في الطاعة والتعظيم" (?).

قال أبو العالية: " يقول: يحبون تلك الأوثان كحب الله، أي: كحب الذين آمنوا ربهم" (?). وروي عن قتادة، والربيع، نحو ذلك (?).

قال الصابوني: أي: "يعظمونهم ويخضعون لهم كحب المؤمنين لله" (?).

قال الزجاج: " أي: يسوون بين هذه الأوثان وبين الله - عز وجل - في المحبة" (?).

قال المراغي: أي" ويتقربون إليهم كما يتقربون إليه، إذ هم لا يرجون من الله شيئا إلا وقد جعلوا لأندادهم ضربا من التوسط الغيبى فيه، فهم مشركون بهذا الحب الذي لا يصدر من مؤمن موحّد" (?).

قال البيضاوي: " أي يسوون بينه وبينهم في المحبة والطاعة، والمحبة: ميل القلب من الحب، استعير لحبة القلب، ثم اشتق منه الحب لأنه أصابها ورسخ فيها، ومحبة العبد لله تعالى إرادة طاعته والإِعتناء بتحصيل مراضيه، ومحبة الله للعبد إرادة إكرامه واستعماله في الطاعة، وصونه عن المعاصي" (?).

وفي قوله: {كحب الله} [البقرة: 165] ثلاثة أقوال:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015