ساع في مصالحهم وحراستهم، ومنها: ما يعتبر به، ومع أنه بث فيها من كل دابة، فإنه سبحانه هو القائم بأرزاقهم، المتكفل بأقواتهم، فما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها، ويعلم مستقرها ومستودعها" (?).
وفي تفسير (البث) في قوله تعالى: {وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ} [البقرة: 164]، وجوها:
أحدها: أن معنى" {بث}: خلق". قاله السدي (?)، وروي عن مقاتل بن حيان (?)، مثل ذلك.
الثاني: أنه يعني: بسط". قاله مقاتل بن سليمان (?).
الثالث: أن" معناه: فرق وبسط". قاله ابن عطية (?).
وجميع المعاني متقاربة، والله أعلم.
قال الواحدي: " البث: النشر والتفريق، ومنه قوله تعالى: {وبث منهما رجالا كثيرا ونساء} [النساء: 1]، ومنه: {كالفراش المبثوث} [القارعة: 4]، ويقال: بثثته سري أبثثته، إذا أطلعته عليه؛ لأنك فرقت بين سرك وبينك، ويقال للحزن: بث؛ لأن صاحبه لا يصبر عليه حتى يظهره" (?).
قال الشيخ ابن عثيمين: "وأتى بـ (كل) لإفادة العموم الشامل لجميع الأجناس، والأنواع، والأفراد؛ ففي الأرض دواب لا يَعلَم بأنواعها، ولا أجناسها - فضلاً عن أفرادها - إلا الذي خلقها سبحانه وتعالى يعلم هذه الأجناس، وأنواعها، وأفرادها، وأحوالها، وكل ما يصلحها؛ ففيها من آيات الله الدالة على كمال قدرته، ورحمته، وعلمه، وحكمته ما يبهر العقول؛ تجد هذه الدواب المختلفة المتنوعة، والحشرات الصغيرة كيف هداها الله لما خلقت له؛ قال تعالى: {أعطى كل شيء خلقه ثم هدى} [طه: 50] حتى إنك لترى الماء يدخل في جحر النمل، فترى النملة تخرج من هذا الجحر حاملة أولادها! ماذا ترجو من هذه الأولاد؟ ! لكن رحمة أرحم الراحمين أن جعل في قلب هذه النملة رحمة لتحمل أولادها عن الغرق؛ كذلك أيضاً السباع الضارية التي تأكل ما دون أولادها من الحيوان: تجدها تحنو على ولدها، وتربيه؛ حتى إذا استقل بنفسه صار عدواً لها، أو صارت عدوة له؛ فالهرة تربي أولادها؛ فإذا استغنوا عنها طردتهم، وصارت عدوة لأولادها؛ فهذا من آيات الله عزّ وجلّ؛ ترى بعض الدواب تدب على الأرض؛ ولكن لا تكاد تدرك جسمها صغراً فضلاً عن أعضائها، وعما في جوفها؛ ومع ذلك فهي عايشة، وتعرف مصالحها، وتعرف جحرها تأوي إليه؛ فهذه من آيات الله عزّ وجلّ؛ ومن درس في علم الأحياء وجد من هذا ما يبهر العقول؛ فما بث الله سبحانه وتعالى في الأرض من الدواب من أجناسها، وأنواعها، وأفرادها فيه من آيات الله ما لا يحصى؛ لأن في كل شيء منه آية؛ وهو لا يحصى أنواعاً، أو أجناساً فضلاً عن أفرادٍ؛ وهذه الدواب تنقسم باعتبار مصالح الخلق إلى ثلاثة أقسام:
الأول: ما فيه مصلحة خالصة، أو راجحة.
الثاني: ما فيه مضرة خالصة، أو راجحة؛ لكن مضرتها لها حِكَم كثيرة ليس هذا موضع ذكرها.
الثالث: ما لا مضرة فيه، ولا مصلحة؛ ولكن فيه دلالة على كمال الله سبحانه وتعالى" (?).
والآية فيها مع ظهور القدرة على إنشاء {الدابة} من ثلاثة أوجه (?):
أحدها: تباين خلقها.
والثاني: اختلاف معانيها.
والثالث: إلهامها وجوه مصالحها.
واختلف في تفسير {دَابَّةٍ} [البقرة: 164]، على قولين: