و (الباء) هنا للمصاحبة - أي مصحوبة بما ينفع الناس من الأرزاق، والبضائع، والأنفس، والذخائر، وغيرها؛ لأن {ما} اسم موصول يفيد العموم؛ فالفلك آية من آيات الله عزّ وجلّ الدالة على كمال قدرته، وكمال رحمته، وتسخيره، كما قال تعالى في أخرى: {وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره وسخر لكم الأنهار} [إبراهيم: 32] (?).
ومن حكمة الله عزّ وجلّ أنه قدر في الأرض أقواتها - يعني جعل قدْراً هنا، وقدْراً هنا، وقدْراً هنا؛ لأجل أن ينتفع الناس؛ فهناك ناس لا تكثر عندهم البقول، والخضروات، وما أشبه ذلك؛ يأتيهم من أرض أخرى؛ وهناك ناس يكثر عندهم نوع من النخيل لا يوجد في مكان آخر، فينقل إلى المكان الآخر، فيتبادل الناس الأرزاق، وينتفع الناس، ويتحركون - كل فيما قدر له (?).
قوله تعالى: {وَمَا أَنزلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ} [البقرة: 164]، " أي وما أنزل الله من السحاب من المطر" (?).
قال مقاتل: يعنى بالماء" (?).
قال السعدي: "وهو المطر النازل من السحاب (?).
قال ابن عطية: " يعني به الأمطار التي بها إنعاش العالم وإخراج النبات والأرزاق" (?).
قال ابن عثيمين: أي" وفيما أنزل الله سبحانه وتعالى من السماء من ماء؛ والمراد بـ (السماء) هنا العلو؛ لأن المطر ينزل من السحاب المسخر بين السماء، والأرض؛ وليس من السماء نفسها" (?).
قال أبو هريرة: "ما نزل قطر إلا بميزان" (?).
والمطر الذي أنزله الله من السماء؛ وفيه آيات عظيمة، منها (?):
أحدها: كونه ينزل رذاذاً هذا من آيات الله الدالة على رحمته؛ لأنه لو كان ينزل صباً لأهلك العالم.
الثاني: كونه ينزل من السماء لا يجري من الأرض هذا أيضاً من آيات الله؛ لأجل أن ينتفع به سهول الأرض، وجبالها؛ ولو كان يجري من الأرض لغرق الأسفل قبل أن يصل إلى الأعلى.
الثالث: كذلك من آيات الله كونه ينزل لا حاراً، ولا بارداً؛ البردَ ذكره الله تعالى في سياق يدل على أنه نوع من الانتقام، فقال تعالى: {وينزل من السماء من جبال فيها من برد فيصيب به من يشاء ويصرفه عمن يشاء يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار} [النور: 43]؛ وإن كان الله قد يجعله رحمة؛ لكن الغالب أنه انتقام.
قوله تعالى: {فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} [القرة: 164]، "أي أحيا بهذا الماء الزروع والأشجار، بعد أن كانت يابسة مجدبة ليس فيها حبوب ولا ثمار" (?).
قال مقاتل: أي بعد" يبسها" (?).
قال السعدي: "أي: فأظهرت من أنواع الأقوات، وأصناف النبات، ما هو من ضرورات الخلائق، التي لا يعيشون بدونها" (?).