قال أبو حيان: " وظاهر الخطاب أنه لجميع المخلوقات المتصور منهم العبادة، فهو إعلام لهم بوحدانية الله تعالى، ويحتمل أن يكون خطاباً لمن قال: صف لنا ربك وانسبه، أو خطاباً لمن يعبد مع الله غيره من صنم ووثن ونار" (?).
و(إله): "بمعنى مألوه؛ فهي بمعنى اسم المفعول؛ و (المألوه) معناه المعبود حباً، وتعظيماً - وهو إله واحد؛ ووحدانيته بالألوهية متضمنة لوحدانيته بالربوبية؛ إذ لا يُعبد إلا من يُعلم أنه رب" (?).
وأراد بقوله تعالى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [البقرة: 163]، أراد أمرين (?):
أحدهما: أن إله جميع الخلق واحد، لا كما ذهبت إليه عبدة الأصنام من العرب وغيرهم أن لكل قوم إلَهاً غير إله من سواهم.
والثاني: أن الإله وإنْ كان إلهاً لجميع الخلق فهو واحد لا ثاني له ولا مثل له.
وقد اختُلِف في معنى وَحدانيته تعالى ذكره، على وجهين (?):
أحدهما: نَفي الأشباه والأمثال عنه.
الثاني: انفراده من الأشياء، وانفراد الأشياء منه.
والشرك به ضربان (?):
أحدهما: شرك في الألوهية والعبادة، بأن يعتقد المرء أن في الخلق من يشارك الله أو يعينه في أفعاله، أو يحمله على بعضها ويصدّه عن بعض، فيتوجه إليه في الدعاء عند ما يتوجه إلى الله، ويدعوه معه، أو يدعوه من دون الله، ليكشف عنه ضرا أو يجلب له نفعا.
والثاني: شرك به في الربوبية، بأن يسند الخلق والتدبير إلى غيره معه، أو أخذ أحكام الدين من عبادة وتحليل وتحريم من غير كتبه ووحيه الذي بلّغه عنه الرسل، استنادا إلى أن من يؤخذ عنهم الدين، هم أعلم بمراد الله، وهذا هو المراد بقوله تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة: 31].
وقوله تعالى: {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} [البقرة: 163]، "أي لا معبود بحق إِلا هو جلّ وعلا" (?).
قال محمد بن إسحاق: " أي ليس معه غيره شريكا في أمره" (?).
قال المراغي: أي: " الذي وسعت رحمته كل شيء، فحسب المرء أن يرجوها" (?).
قال الطبري: أي: "لا رب للعالمين غيرُه، ولا يستوجبُ على العبادِ العبادةَ سواه، وأنّ كلّ ما سواه فهُم خَلقه، والواجبُ على جميعهم طاعته والانقيادُ لأمره، وتركُ عبادة ما سواه من الأنداد والآلهة، وهجْر الأوثان والأصنام" (?).
قال ابن عطية: " إعلام بالوحدانية، وواحِدٌ في صفة الله تعالى معناه نفي المثيل والنظير والند، وقال أبو المعالي: هو نفي التبعيض والانقسام" (?).
قال أبو حيان: " توكيد لمعنى الوحدانية ونفي الإلهية عن غيره. وهي جملة جاءت لنفي كل فرد فرد من الآلهة، ثم حصر ذلك المعنى فيه تبارك وتعالى" (?).