وقد زعم بعضهم أن تقدير الخبر في قوله {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ}، أي: «موجود»؛ وهذا غلط واضح؛ لأنه يختل به المعنى اختلالاً كبيراً من وجهين (?):
الوجه الأول: أن هناك آلهة موجودة سوى الله؛ لكنها باطلة، كما قال تعالى: {ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل} [الحج: 62]، وكما قال تعالى: {فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء لما جاء أمر ربك} [هود: 101]، وكما قال تعالى: {فلا تدع مع الله إلهاً آخر} [الشعراء: 213].
الوجه الثاني: أنه يقتضي أن الآلهة المعبودة من دون الله هي الله، ولا يخفى فساد هذا؛ وعليه فيتعين أن يكون التقدير: «لا إله حق»، كما فسرناه.
قال الراغب: " إن قيل: ما فائدة الجمع بين {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} وبين {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} وأحدهما يبنى على الآخر؟
قيل: لما بين بقوله: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} أنه المقصود بالعبادة أو المستحق لها، وكان يجوز أن يتوهم أن يوجد إله غيره ولكن لا يعبد أولا يستحق العبادة أكده بقوله: (لأ إله إلاً هو)، وحق لهذا المعنى أن يكون مؤكدا ويكرر عليه الألفاظ [الملخصة]، إذ هو مبدأ مقصود العبادة ومنتهاه" (?).
قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ}، "أي: المولى لجميع النعم أصولها وفروعها" (?).
قال السعدي: أي" المتصف بالرحمة العظيمة" (?).
قال الصابوني: أي: " مُولي النعم ومصدر الإِحسان" (?).
قال الماوردي: " ثم وصف فقال: {الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ}، ترغيباً في عبادته وحثاً على طاعته" (?).
قال أبو حيان: " ذكر هاتين الصفتين منبهاً بهما على استحقاق العبادة له، لأن من ابتدأك بالرحمة إنشاء بشراً سوياً عاقلاً وتربية في دار الدنيا موعوداً الوعد الصدق بحسن العاقبة في الآخرة، جدير بعبادتك له والوقوف عند أمره ونهيه، وأطمعك بهاتين الصفتين في سعة رحمته. وجاءت هذه الآية عقيب آية مختومة باللعنة والعذاب لمن مات غير موحد له تعالى، إذ غالب القرآن أنه إذا ذكرت آية عذاب، ذكرت آية رحمة، وإذا ذكرت آية رحمة، ذكرت آية عذاب" (?).
قال ابن عثيمين: "وأسماء الله سبحانه وتعالى لها ثلاث دلالات: دلالة مطابقة؛ ودلالة تضمن؛ ودلالة التزام؛ فدلالة الاسم على الذات، والصفة دلالة مطابقة؛ ودلالته على الذات وحدها، أو الصفة وحدها دلالة تضمن؛ ودلالته على ما يستلزمه من الصفات الأخرى دلالة التزام؛ مثال ذلك «الخالق»: فهو دال على ذات متصفة بالخلق؛ وعلى صفة الخلق؛ فدلالتها على الأمرين دلالة مطابقة؛ وعلى أحدهما دلالة تضمن؛ وهي تدل على صفة العلم، والقدرة دلالة التزام؛ إذ لا خلق إلا بعلم وقدرة" (?).
قال الرازي: " واعلم أنه سبحانه إنما خص هذا الموضع بذكر هاتين الصفتين لأن ذكر الإلهية الفردانية يفيد القهر والعلو فعقبهما بذكر هذه المبالغة في الرحمة ترويحا للقلوب عن هيبة الإلهية، وعزة الفردانية وإشعارا بأن رحمته سبقت غضبه وأنه ما خلق الخلق إلا للرحمة والإحسان" (?).