قال ابن كثير: أي: "لا يغير عنهم ساعة واحدة، ولا يفتَّر، بل هو متواصل دائم، فنعوذ بالله من ذلك" (?).
قال الصابوني: "أي ولا يمهلون أو يؤجلون بل يلاقيهم العذاب حال مفارقة الحياة الدنيا" (?).
وقال الشيخ ابن عثيمين: "أي لا يمهلون؛ بل يؤخذون بالعقاب؛ من حين ما يموتون وهم في العذاب؛ ويحتمل أن المراد لا ينظرون بالعين؛ فلا ينظرون نظر رحمة، وعناية بهم؛ وهذا قد يؤيَّد بقوله تعالى: {قال اخسئوا فيها ولا تكلمون} [المؤمنون: 108]؛ فإن هذا من احتقارهم، وازدرائهم أنهم يوبخون بهذا القول.
قال المراغي: أي: "ولا يمهلون ليتوبوا ويعملوا صالح الأعمال، لأن الكفر الذي استحقوا به هذا العذاب هو غاية ما يكتسبه المرء من ظلمات الروح، ومتى مات انقطع عمله وتعذر عليه أن يجلّى تلك الظلمة، ويرجع إلى الحق، ويزكى نفسه، ولا يمهل إذ هو الجاني على نفسه، فأىّ شاء يرجو من غيره؟ " (?).
قال الرازي: " والإنظار هو التأجيل والتأخير قال تعالى: {فنظرة إلى ميسرة} [البقرة: 280] والمعنى: إن عذابهم لا يؤجل، بل يكون حاضرا متصلا بعذاب مثله فكأنه تعالى أعلمنا أن حكم دار العذاب والثواب بخلاف حكم الدنيا فإنهم يمهلون فيها إلى آجال قدرها الله تعالى، وفي الآخرة لا مهلة البتة فإذا استمهلوا لا يمهلون، وإذا استغاثوا لا يغاثون وإذا استعتبوا لا يعتبون، وقيل لهم؛ {اخسئوا فيها ولا تكلمون} [المؤمنون: 108]، نعوذ بالله من ذلك، والحاصل أن هذه الصفات الثلاثة التي ذكرها الله تعالى للعقاب في هذه الآية دلت على يأس الكافر من الإنقطاع والتخفيف والتأخير" (?).
وذكروا في قوله تعالى: {وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ} [البقرة: 162]، وجهان (?):
أحدهما: معناه: يؤخرون عن العذاب.
والثاني: ويحتمل أن يكون من النظر، نحو قوله تعالى: {وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ} [آل عمران: 77].
قال ابن عطية: " والأول أظهر، لأن النظر بالعين إنما يعدى بإلى إلا شاذا في الشعر" (?).
الفوائد:
1 - ومنها: أن الذين يموتون وهم كفار مخلدون في لعنة الله، وطرده، وإبعاده عن رحمته.
2 - ومنها: أن العذاب لا يخفف عنهم، ولا يوماً واحداً؛ ولهذا يقول الله عزّ وجلّ: {وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يوماً من العذاب} [غافر: 49]؛ لم يسألوا أن يرفع العذاب؛ ولم يسألوا أن يخفف دائماً؛ بل يخفف ولو يوماً واحداً من أبد الآبدين؛ يتمنون هذا؛ يتوسلون بالملائكة إلى الله عزّ وجلّ أن يخفف عنهم يوماً واحداً من العذاب؛ ولكن يوبخون إذا سألوا هذا: {قالوا أو لم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى} [غافر: 50]؛ فما يستطيع أحد أن يتصور كيف تكون حسرتهم حينئذٍ؛ يقولون: ليتنا فعلنا؛ ليتنا صدقنا؛ ليتنا اتبعنا الرسول؛ ولهذا يقولون: {بلى}؛ لا يستطيعون أن ينكروا أبداً؛ {قالوا فادعوا} [غافر: 50] أي أنتم؛ ولكن دعاء لا يقبل، كما قال تعالى: {وما دعاء الكافرين إلا في ضلال} [غافر: 50] أي في ضياع - والعياذ بالله؛ والمقصود أنه لا يخفف عنهم العذاب.
3 - من فوائد الآية: أنهم لا ينظرون؛ إما أنه من النظر؛ أو من الإنظار؛ فهم لا يمهلون ولا ساعة واحدة؛ ولهذا قال تعالى: {حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها} [الزمر: 71]؛ فمن يوم يجيئونها تفتح؛ أما أهل الجنة فإذا