أحدها: أن أصلها من الإشعار، وهي الأعلام على الشيء. قاله الثعلبي (?).
ومنه: الشعائر بمعنى العلامة؛ ولهذا تسمى الهدايا: شعائر؛ لأنها تُشْعَر بحديدة في سنامها من جانبها الأيمن حتى يخرج الدم، قال الكميت (?):
نُقَتِّلُهُمْ جِيَلا فَجِيلا تَرَاهُمُ ... شَعَائِرَ قُرْبَانٍ بِهِمْ يُتَقَرَّبُ
الثاني: أنها جمع شعيرة؛ وهي التي تكون عَلَماً في الدين (?). وهذا قول الزجاج (?)، والأكثرين، وهو الأقرب.
الثالث: وقيل: جمع شعارة.
قال الرازي: إن (الشعائر) " هي أعلام طاعته وكل شيء جعل علما من أعلام طاعة الله فهو من شعائر الله، قال الله تعالى: {والبدن جعلناها لكم من شعائر الله} [الحج: 36]، أي علامة للقربة، وقال: {ذالك ومن يعظم شعائر الله} [الحج: 32] وشعائر الحج: معالم نسكه ومنه المشعر الحرام، ومنه إشعار السنام: وهو أن يعلم بالمدية فيكون ذلك علما على إحرام صاحبها، وعلى أنه قد جعله هديا لبيت الله، ومنه الشعائر في الحرب، وهو العلامة التي يتبين بها إحدى الفئتين من الأخرى والشعائر جمع شعيرة، وهو مأخوذ من الإشعار الذي هو الإعلام" (?).
قال الواحدي: يحتمل أن يكون (الشعائر) من الإعلام بالشيء" (?). وهذا قول مجاهد (?).
واعترض عليه الطبري، فقال: " وذلك تأويل من المفهوم بعيد، وإن كان مَخرجُه مَخرجَ الخبر، فإنه مرادٌ به الأمر، لأن الله تعالى ذكره قد أمر نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم باتباع ملة إبراهيم عليه السلام، فقال له: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [سورة النحل: 123] " (?).
وقال أهل العلم: أن الأحكام الشرعية قسمان (?):
أحدهما: نوع يسمى بالشعائر، وهى ما تعبّدنا الله تعالى به كالصلاة على وجه مخصوص، والتوجه فيها إلى مكان معين سماه بيته، مع أنه من خلقه كسائر العالم، وكمناسك الحج وأعماله، فمثل هذا شرعه الله لنا لمصلحة لا نفهم سرها تمام الفهم، ولا نزيد فيه ولا ننقص، ولا يؤخذ فيه برأى أحد ولا باجتهاده، إذ لو أبيح لهم ذلك لزادوا فيه، فلا يفرق بين الأصل المشترع والدخيل المبتدع، ويصبح المسلمون كالنصارى ويصدق عليهم قوله: {أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ}.
والثاني: ما لا يسمى بالشعائر، كأحكام المعاملات من بيع وإجارة وهبة ونحوها، وهذه قد شرعت لمصالح البشر، ولها علل وأسباب يسهل على الإنسان فهمها.