الثاني: قال الشعبي: "أن وَثَنًا كان في الجاهلية على الصفا يسمى (إسافًا)، ووثنًا على المرْوة يسمى (نائلة)، فكان أهل الجاهلية إذا طافوا بالبيت مَسحوا الوثَنين. فلما جاء الإسلام وكُسرت الأوثان، قال المسلمون: إنّ الصفا والمرْوة إنما كانَ يُطاف بهما من أجل الوَثنين، وليس الطواف بهما من الشعائر! قال: فأنزل الله: إنهما من الشعائر، " فمن حَجّ البيتَ أو اعتمر فلا جُناحَ عليه أن يطوّف بهما " (?).
وروي عن عامر (?)، ويزيد (?)، وأنس بن مالك (?)، وابن عمر (?)، ومجاهد (?)، وابن زيد (?)، نحو ذلك.
وقد ذكر ابن إسحاق في كتاب السيرة أن إسافا ونائلة كانا بشرين، فزنيا داخل الكعبة فمسخا حجرين فنصبتهما قُريش تجاه الكعبة ليعتبر بهما الناس، فلما طال عهدهما عبدا، ثم حولا إلى الصفا والمروة، فنصبا هنالك، فكان من طاف بالصفا والمروة يستلمهما، ولهذا يقول أبو طالب، في قصيدته المشهورة:
وحيث ينيخ الأشعرون ركابهم ... بمفضى السيول من إساف ونائل (?)
الثالث: وقال قتادة: "قوله: {إنّ الصفا والمرْوَة من شعائر الله}، الآية، فكان حَيٌّ من تهامة في الجاهلية لا يسعون بينهما، فأخبرهم الله أنّ الصفا والمروة من شعائر الله، وكانَ من سُنة إبراهيم وإسماعيلَ الطواف بينهما" (?).
وروي عن عائشة (?)، نحو ذلك.
الرابع: وقال مقاتل بن سليمان: " وذلك أن الخمس: وهم قريش، وكنانة، وخزاعة، وعامر بن صعصعة، قالوا: ليست الصفا والمروة من شعائر الله، وكان على الصفا صنم يقال له نائلة، وعلى المروة صنم يقال له يساف في الجاهلية. قالوا، إنه حرج علينا في الطواف بينهما، فكانوا لا يطوفون بينهما فأنزل الله- عز وجل- {إن الصفا والمروة من شعائر الله} " (?).
الخامس: وقال ابن كثير: "قال آخرون من الأنصار: إنما أمرنا بالطواف بالبيت، ولم نؤمر بالطواف بين الصفا والمروة، فأنزل الله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} (?).
السادس: قال ابن عباس: " أنه كانَ في الجاهلية شَياطين تعزِفُ الليل أجمعَ بين الصفا والمروة، وكانت بَينهما آلهة، فلما جاء الإسلام وظَهر، قال المسلمون: يا رَسولَ الله، لا نطوف بين الصفا والمروة، فإنه شركٌ كنا نفعله في الجاهلية! فأنزل الله: {فلا جُناح عليه أن يطوَّف بهما} " (?).
والصواب: "إنّ الله تعالى ذكره قد جعل الطواف بين الصفا والمروة من شعائر الله، كما جعل الطواف بالبيت من شعائره، فأما قوله: {فلا جناحَ عليه أن يطَّوَّف بهما}، فجائزٌ أن يكون قيل لكلا الفريقين