اللذين تخوَّف بعضهم الطواف بهما من أجل الصنمين اللذين ذكرهما الشعبي، وبَعضُهم من أجل ما كان من كراهتهم الطواف بهما في الجاهلية، على ما رُوي عن عائشة، وأيُّ الأمرين كان من ذلك، فليس في قول الله تعالى ذكره: {فلا جُناح عليه أن يطَّوَّف بهما}، الآية، دلالةٌ على أنه عَنى به وَضعَ الحرَج عَمن طاف بهما، من أجل أن الطواف بهما كان غير جائزٍ بحظر الله ذلك، ثم جُعل الطواف بهما رُخصة، لإجماع الجميع على أن الله تعالى ذكره لم يحظُر ذلك في وقت، ثم رخص فيه بقوله: {فلا جناح عليه أن يطَّوَّف بهما} " (?).
وروي عن حَبِيبة بنت أبي تجراة، قالت: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بين الصفا والمروة، والناس بين يديه، وهو وراءهم، وهو يسعى حتى أرى ركبتيه من شدة السعي يدور به إزاره، وهو يقول: "اسعَوا، فإن الله كتب عليكم السعي" (?).
وفي رواية أخرى عن صفية بنت شيبة، أن امرأة أخبرتها أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم بين الصفا والمروة يقول: "كتب عليكم السعي، فاسعوا" (?).
وقد استُدلّ بهذا الحديث على مذهب من يرى أن السعي بين الصفا والمروة ركن في الحج (?)، لأنه عليه السلام طاف بينهما، وقال: "لتأخذوا عني مناسككم". فكل ما فعله في حَجته تلك واجب لا بد من فعله في الحج، إلا ما خرج بدليل، والله أعلم (?).