ومن ذلك قول الشاعر:
كأني، وإن كانت شهودًا عشيرتي ... إذا غبت عني يا عثيم غريب (?)
ويقال: قوم شهود، أي حضور (?).
وهذا معروف في لسان العرب معرفة يستغنى بها عن الاستشهاد عليها بشيء، ولكن لتأكيد هذا أوردنا بعض الشواهد في ذلك.
وقد اختلف في اشتقاق كلمة (شهيد)، هل هو من الشهادة؟ أو من المشاهدة، أو هو فعيل بمعنى مفعول؟ أو بمعنى فاعل؟ (?).
فإن كان الاشتقاق من الشهادة، فهو شهيد، بمعنى: مشهود، أي مشهود عليه، ومشهود له بالجنة، ويجوز أن يكون من الشهادة، وتكون فعيل بمعنى فاعل، لأن الله تعالى يقول: {وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ} [الحج: 78]، أي تشهدون عليهم، وهذا وإن كان عامًا في جميع أمة محمد? ، فالشهداء أولى بهذا الاسم، فهذان وجهان في معنى الشهيد إذا جعلته مشتقًا من الشهادة.
وإن كان من المشاهدة، فهو فعيل، بمعنى: فاعل، على معنى أنه يشاهد من ملكوت الله، وقد يكون بمعنى مفعول، من المشاهدة، أي أن الملائكة تشاهد قبضه والعروج بروحه، ونحو ذلك، فيكون فعيلاً بمعنى مفعول (?).
وبناء على عدم الاتفاق في تقدير معنى الفعل؛ افترقت الأقوال، وتشعبت الآراء في سبب التسمية، وكان اختلاف بعض هذه الأقوال يرجع إلى تباين وتضاد، وبعضها ليس كذلك، بل الأقوال فيها متقاربة.
ونلاحظ عند استقراء هذه الأقوال أنها تفرعت عن قولين رئيسين هما:
القول الأول: أن الشهيد بمعنى شاهد، أي فعيل بمعنى فاعل، وشاهد قد تكون بمعنى الإخبار والإعلام، كما في قوله تعالى: {وَمَا شَهِدْنَا إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ} [يوسف: 81]. فالشهادة هنا بمعنى الإخبار.
وقد ترد ويراد منها الحضور والمشاهدة، كما في قوله تعالى: {وَبَنِينَ شُهُوداً} [المدثر: 13]. أي حضورًا (?).
وهؤلاء اختلفوا أيضًا في سبب التسمية على أقوال:
أحدها: لأنه ممن يستشهد يوم القيامة مع النبي? على الأمم الخالية، قال تعالى: {لِّتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} [البقرة: 143] (?).
الثاني: لأن أرواحهم شهدت دار السلام، أي حضرتها، وأما أرواح غيرهم فلا تحضرها إلى يوم البعث (?). قال الأزهري (?): «وقال ابن شميل في تفسير الشهيد الذي يستشهد: الشهيد: الحي. قلت: أراه تأول قول الله جل وعز: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران: 169]. كأن أرواحهم أحضرت دار السلام أحياءً، وأرواح غيرهم أخرت إلى يوم البعث، وهذا قول حسن» (?).
الثالث: لقيامه بشهادة الحق في أمر الله حتى قتل (?).