وقوله تعالى: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ} [البقرة: 150]، قرأ نافع وحده بتسهيل الهمزة، وقرأ الباقون {لِئَلَّا}، بالهمز (?).

قوله تعالى: {إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} [البقرة: 150]، أي: " لكن الذين ظلموا منهم لن تنجوا من محاجتهم، ومخاصمتهم" (?).

قال الحسن: " يقول: لن يحتج عليكم بذلك إلا ظالم، فولوا وجوهكم شطره، لئلا يحتج عليكم الظلمة" (?).

قال أبو العالية: " يعني: مشركي قريش، يقول: إنهم سيحتجون عليكم بذلك" (?). وروي عن مجاهد، وعطاء وقتادة، والربيع بن أنس نحو ذلك (?).

قال الزجاج: " المعنى: "إلا من ظلم باحتجاجه فيما قد وضح له" (?).

قال الزمخشري: " وهم أهل مكة حين يقولون: بدا له فرجع إلى قبلة آبائه، ويوشك أن يرجع إلى دينهم" (?).

قال ابن عثيمين: " المراد بهم المعاندون المكابرون الذين لا يَرْعَوون للحق مهما تبين" (?).

قال المراغي: " أي لكن الذين ظلموا منهم بالعناد، فإن لهم عليكم حجة، إذ يقول اليهود: ما تحوّل إلى الكعبة إلا ميلا لدين قومه، وحبّا لبلده، ولو كان على الحق للزم قبلة الأنبياء قبله، ويقول المشركون: رجع إلى قبلتنا وسيرجع إلى ديننا، ويقول المنافقون: إنه متردد مضطرب لا يثبت على قبلة، إلى نحو هذا من الآراء التي سداها ولحمتها الهوى، ولا مرجع فيها لحجة وبرهان، بل هى جدل في دين الله وشرعه بلا هدى ولا كتاب منير، ومثل هؤلاء لا يقام لقولهم وزن" (?).

واختلف في نوع الاستثناء في قوله تعالى: {إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} [البقرة: 150]، وفيه ثلاثة أوجه (?):

أحدها: أنه استثناء متصل. فيكون {الذين ظلموا} مستثنى من (الناس)؛ لأن الناس منهم ظالم؛ ومنهم من ليس بظالم.

قال ابن عطية: " والمعنى أنه لا حجة لأحد عليكم إلا الحجة الداحضة للذين ظلموا، يعني اليهود وغيرهم من كل من تكلم في النازلة في قولهم ما وَلَّاهُمْ استهزاء، وفي قولهم: تحير محمد في دينه، وغير ذلك من الأقوال التي لم تنبعث إلا من عابد وثن أو من يهودي أو من منافق" (?).

وممن صحّح الإستثناء على ظاهره: أبو العالية (?)، ومجاهد (?)، وعطاء (?)، وقتادة (?)، والربيع (?)، والسدي (?)، وأبو روق (?) (?)، وقال به أبو حيان (?)، ونسبه إلى ابن عباس (?)، قال: "واختاره الطبري (?)، وبدأ به ابن عطية (?)، ولم يذكر الزمخشري (?) غيره، وذلك أنه متى أمكن الاستثناء المتصل إمكانًا حسنًا كان أولى من غيره" (?).

الثاني: أنه منقطع، و (إلا) بمعنى (لكن)؛ يعني: لئلا يكون للناس عليكم حجة؛ لكن الذين ظلموا منهم لن تنجوا من محاجتهم، ومخاصمتهم. وهذا مذهب الأخفش (?)، والمؤرج (?)، والفراء (?).

وهذا "كقوله تعالى: {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ} [النساء: 157] يعني: لكن الذين يتبعون الظن {وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى (19) إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى} [الليل: 19 - 20]، يعني: لكن يبتغي، فيكون منقطعًا من الكلام الأول" (?).

الثالث: وقيل أن (إلا) ههنا بمعنى (الواو)، وهذا مذهب أبو عبيدة (?)، ومعمر بن المثنى (?).

والمعنى: والذين ظلموا لا يكون لهم أيضا حجة، فهو استثناء بمعنى (الواو)، ومنه قول الشاعر (?):

ما بالمدينة دار غير واحدة ... دار الخليفة إلا دار مروانا

كأنه قال: إلا دار الخليفة ودار مروان،

ووأنشدوا قول الآخر (?):

كل أخٍ مفارقُهُ أخوه ... لَعَمْرُ أبيك إلا الفرقدان

فقال: أراد: والفرقدان أيضًا يفترقان.

وقول الشاعر (?):

وأرى لها دارًا بأغْدِرَةِ السِّيـ ... ـدَانِ لم يَدْرُس لها رَسْمُ

إلّا رَمَادًا خامدًا دَفَعَتْ ... عنهُ الرِّياحَ خَوَالِد سُحْمُ

أراد: أرى دارًا ورمادًا (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015