أحدها: أنهم مشركو العرب. قاله مجاهد (?)، وعطاء (?).
وحجتهم قولهم: "قدر رجعتت إلى قبلتنا! " (?)، وقد أجيبوا عن هذا بقوله: {قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ} [البقرة: 142].
الثاني: أنهم أهل الكتاب. قاله قتادة (?)، والربيع (?).
وفي حجتهم قولان:
القول الأول: "أنهم كانوا يقولون: ما درَى مُحمد وأصحابهُ أين قبلتهم حتى هديناهم نحن! وقولهم: يُخالفنا مُحمد في ديننا ويتبع قبلتنا! فهي الحجة التي كانوا يحتجُّون بها عَلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، على وجه الخصومة منهم لهم، والتمويه منهم بها على الجهالّ وأهل الغباء من المشركين" (?). قاله الطبري.
القول الثاني: " ذلك أنهم كانوا قد عرفوا أن الكعبة قبلة إبراهيم، وقد كانوا وجدوا في التوراة أن محمدا سيحول إليها، فحوله الله إليها لئلا يكون لهم حجة فيحتجون. بأن هذا النبي الذى نجده في كتابنا سيحول إليها ولم تحول أنت فلما حول النبي صلى الله عليه وسلم ذهبت حجتهم ثم قال: إلا الذين ظلموا منهم يعني إلا أن يظلموكم فيكتموا ما عرفوا" (?). قاله أبو روق.
الثالث: أنهم المنافقون. إذ قالوا: " إن هذا الرجل لا يثبت على دينه؛ ولو كان نبياً حقاً لثبت على دينه" (?).
قال ابن عطية: " وقوله: {لِلنَّاسِ}، عموم في اليهود والعرب وغيرهم" (?).
قال شيخنا ابن عثيمين: "وهذه عادة أهل الباطل يموِّهون، ويقلبون الحق باطلاً؛ لأنهم يريدون غرضاً سيئاً؛ بل إن تحوله إلى استقبال الكعبة مع هذه الاعتراضات، والمضايقات دليل على أنه رسول الله حقاً فاعل ما يؤمر به" (?).
و(الحجة): "من الحج الذي هو القصد، لأنها مقصودة للمخاصم، ومنه: المحجّة: لأنها تقصد بالسلوك. والمخاصمةُ يقال لها: المحاجّة؛ لقصد كل واحد من الخصمين إلى إقامة بينته وإبطال ما في يد صاحبه" (?).
قال الطبري: "وإنما (الحجة) في هذا الموضع: الخصومة والجدال" (?).
قال الثعلبي: " ومعنى (الحجة) في [الآية]: الخصومة والجدل، والدعوى بالباطل كقوله {لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ} [الشورى: 15]، : أي لا خصومة، وقوله {أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ} [البقرة: 139]، وليحاجوكم وتحاجون وحاججتم كلها بمعنى المجادلة والمخاصمة، لا بمعنى الدليل والبرهان" (?).
قال الزمخشري: " فإن قلت: كيف أطلق اسم الحجة على قول المعاندين؟ قلت: لأنهم يسوقونه سياق الحجة" (?).