والثاني: أنه أراد بالأول: ولّ وجهك شطر الكعبة، أي عاينها إذا صليت تلقاءها. ثم قال: {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ} معاشر المسلمين في سائر المساجد بالمدينة وغيرها {فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ}، ثم قال {ومن حيث خرجت}، يعني: وجوب الاستقبال في الأسفار، فكان هذا أمرا بالتوجه إلى الكعبة في جميع المواضع من نواحي الأرض.
والقول الثاني أحسن من الأول، لأن فيه حمل كل آية على فائدة والله تعالى أعلم.
قال الواحدي: " إنما كرر هذا؛ لأن هذا من مواضع التوكيد؛ لأجل النسخ الذي نُقلوا فيه من جهة إلى جهة للتقرير" (?).
قال الصابوني: " وفائدة هذا التكرار أن القبلة كان أول ما نسخ من الأحكام الشرعية، فدعت الحاجة إِلى التكرار لأجل والتقرير وإِزالة الشبهة" (?).
قوله تعالى: {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 150]، " أي: وحيثما كنتم أيها المؤمنون فتوجهوا في صلاتكم نحو الكعبة" (?).
قال المراغي: أي: " وحيثما كنتم من أقطار الأرض مقيمين أو مسافرين وصليتم فولوا وجوهكم شطره" (?).
قوله تعالى: {لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ} [البقرة: 150]، " أي لئلا يكون لأولئك المحاجين في أمر القبلة وهم أهل الكتاب والمشركون وتبعهما المنافقون - حجة وسلطان عليكم" (?).
قال أبو العالية: " يعني به أهل الكتاب حين قالوا: صرف محمد صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة، وقالوا: اشتاق الرجل إلى بيت أبيه ودين قومه، وكان حجتهم على النبي صلى الله عليه وسلم عند انصرافه إلى البيت الحرام، أن قالوا: سيرجع إلى ديننا كما رجع إلى قبلتنا" (?).
قال ابن أبي حاتم: " وروي عن مجاهد، وعطاء، والسدي وقتادة والربيع بن أنس والضحاك، قالوا: قد رجعت إلى قبلتنا" (?).
قال ابن عطية: "المعنى: عرفتكم وجه الصواب في قبلتكم" (?).
قال الزمخشري: "معناه: لئلا يكون حجة لأحد من اليهود إلا للمعاندين منهم القائلين: ما ترك قبلتنا إلى الكعبة إلا ميلا إلى دين قومه وحباً لبلده، ولو كان على الحق للزم قبلة الأنبياء" (?).
قال الزجاج: " أي: قد عرفكم الله أمر الاحتجاج في القبلة مما قد بيناه لئلا يكون للناس على الله حجة في قوله: {ولكل وجهة هو موليها} " (?).
قال الصابوني: " أي عرّفكم أمر القبلة لئلا يحتج عليكم اليهود فيقولوا: يجحد ديننا ويتبع قبلتنا فتكون لها حجة عليكم أو كقول المشركين: يدعى محمد ملة إِبراهيم ويخالف قبلته " (?).
واختلف في المعنيين بـ (الناس)، في الآية على ثلاثة أقوال: (?):