وقال قتادة: " هي صلاتهم إلى بيت المقدس، وصلاتهم إلى الكعبة" (?).
يقال: "وليته، ووليت إليه. إذا أقبلت إليه ووليت عنه إذا أدبرت عنه، وأصل التولية: الانصراف" (?).
قد ذكر أهل العلم في قوله: {وَلِكُلٍّ} [البقرة: 148]، أربعة أوجه (?):
أحدها: أنه يتناول جميع الفرق، أعني المسلمين واليهود والنصارى والمشركين، وهو قول الاصم، قال: لأن في المشركين من كان يعبد الأصنام ويتقرب بذلك إلى الله تعالى كما حكى الله تعالى عنهم في قوله: {هؤلاء شفعاؤنا عند الله} [يونس: 18].
وثانيها: أن المراد: أهل الكتاب وهم: المسلمون واليهود والنصارى، والمشركون غير داخلين فيه. وهو قول ابن عباس (?)، وأبي العالية (?)، و"مجاهد في أحد قوليه. والضحاك، وعطاء، والسدي، والربيع" (?).
وثالثها: أن المراد: لكل قوم من المسلمين وجهة أي جهة من الكعبة يصلي إليها: جنوبية أو شمالية، أو شرقية أو غربية، واحتجوا على هذا القول بوجهين:
الأول: قوله تعالى: {هو موليها} يعني الله موليها وتولية الله لم تحصل إلا في الكعبة، لأن ما عداها تولية الشيطان.
والثاني: أن الله تعالى عقبه بقوله: {فاستبقوا الخيرات} والظاهر أن المراد من هذه الخيرات ما لكل أحد من جهة، والجهات الموصوفة بالخيرية ليست إلا جهات الكعبة.
ورابعها: أن المراد: لكل واحد من الرسل وأصحاب الشرائع جهة قبلة، فقبلة المقربين: العرش، وقبلة الروحانيين: الكرسي، وقبلة الكروبيين: البيت المعمور، وقبلة الأنبياء الذين قبلك بيت المقدس، وقبلتك الكعبة.
واختلفوا في المراد بقوله تعالى {وِجْهَةٌ} [البقرة: 148]، على قولين (?):
أحدهما: أن المراد المنهاج والشرع، قاله الحسن (?)، وهو كقوله تعالى: {لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا} [الحج: 67]، {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة: 48] والمراد منه أن للشرائع مصالح، فلا جرم اختلفت الشرائع بحسب اختلاف الأشخاص، وكما اختلف بحسب اختلاف الأشخاص لم يبعد أيضا اختلافها بحسب اختلاف الزمان بالنسبة إلى شخص واحد، فلهذا صح القول بالنسخ والتغيير.
الثاني: أن المراد منه أمر القبلة، قاله ابن عباس (?)،
وقالوا: لأنه تقدم قوله تعالى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 144] فهذه الوجهة يجب أن تكون محمولة على ذلك.
وذكروا في الضمير (هو) في قوله تعالى: {هُوَ مُوَلِّيهَا} [البقرة: 148]، وجهان (?):
الأول: أنه عائد إلى الكل، أي ولكل أحد وجهة هو مولى وجهه إليها.
الثاني: أنه عائد إلى اسم الله تعالى، أي: الله تعالى يوليها إياه.
وتقرير الكلام على الوجه الثاني أعني أن يكون الضمير في قوله: {هو موليها} عائدا إلى الله تعالى فههنا وجهان: