الأول: أن الله عرفنا أن كل واحدة من هاتين القبلتين اللتين هما بيت المقدس والكعبة جهة يوليها الله تعالى عباده، إذا شاء يفعله على حسب ما يعلمه صلاحا فالجهتان من الله تعالى وهو الذي ولى وجوه عباده إليهما، فاستبقوا الخيرات بالانقياد لأمر الله في الحالتين، فإن انقيادكم خيرات لكم، ولا تلتفتوا إلى مطاعن هؤلاء الذين يقولون: {ما ولاهم عن قبلتهم} [البقرة: 142]، فإن الله يجمعكم وهؤلاء السفهاء جميعا في عرصة القيامة، فيفصل بينكم.

الثاني: أنا إذا فسرنا قوله: {ولكل وجهة} بجهات الكعبة ونواحيها، كان المعنى: ولكل قوم منكم معاشر المسلمين وجهة، أي ناحية من الكعبة: {فاستبقوا الخيرات} بالتوجه إليها من جميع النواحي، فإنها وإن اختلفت بعد أن تؤدي إلى الكعبة فهي كجهة واحدة ولا يخفى على الله نياتهم فهو يحشرهم جميعا ويثيبهم على أعمالهم.

واختلفت القراءة في قوله تعالى: {هُوَ مُوَلِّيهَا} [البقرة: 148]، على وجهين (?):

أحدهما: {هو مُولَّاها}، بفتح اللام، "أي مصروف إليها" (?). قرأ بها ابن عباس وابن عامر وأبو رجاء وسليمان بن عبد الملك.

الثاني: {مُوَلِّيهَا}، بكسر اللام. قرأ بها الباقون.

وقرئ: {وَلِكُلّ وِجْهَةٍ}: بالإِضافة، والمعنى وكل وجهة الله موليها أهلها، واللام مزيدة للتأكيد جبراً لضعف العامل (?).

قال الثعلبي: " وفي حرف أبيّ: {ولك قبلة هو موليها}، وفي حرف عبد الله: {ولكل جعلنا قبلة هو موليها} " (?).

قوله تعالى: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} [البقرة: 148]، أي: " فبادروا وسارعوا أيها المؤمنون إِلى فعل الخيرات" (?).

قال أبو السعود: " أي تسابقوا إليها" (?).

قال البيضاوي: أي"من أمر القبلة وغيره مما ينال به سعادة الدارين، أو الفاضلات من الجهات وهي المسامتة للكعبة" (?).

قال المراغي: "أي فبادروا إلى فعل كل نوع من أنواع الخير، وليحرص كل منكم أن يكون سباقا إليه" (?).

قال الزجاج: " أي فبادروا إلى القبول من - الله عز وجل، وولوا وجوهكم حيث أمركم أن تولوا" (?).

قال الطبري: "أي: قد بيّنت لكم أيها المؤمنون الحقَّ، وهديتكم للقِبلة التي ضلَّت عنها اليهود والنصارى وسائرُ أهل الملل غيركم، فبادروا بالأعمال الصالحة، شكرًا لربكم، وتزوَّدوا في دنياكم لآخرتكم، فإني قد بيّنت لكم سبُل النجاة، فلا عذر لكم في التفريط، وحافظوا على قبلتكم، فلا تضيِّعوها كما ضَيَّعتها الأمم قبلكم، فتضلُّوا كما ضلت" (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015