قوله تعالى: {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ} [البقرة: 144]، أي: " ولئن التمست يا محمد رضَا هؤلاء اليهود والنصارى، فاتبعتَ قبلتهم" (?).

قال أبو السعود: " أي ولئن اتبعت أهواءَهم فرضاً" (?).

قال الثعلبي: أي" مرادهم في أمر القبلة" (?).

قال الواحدي: " أي: صليت إلى قبلتهم" (?).

قال المراغي: " أي ولئن وافقتهم فيما يريدون، فصليت إلى قبلتهم مداراة لهم وحرصا على اتباعك والإيمان بك" (?).

قال الصابوني: " أي ولئن فرض وقدّر أنك سايرتهم على أهوائهم، واتبعت ما يهوونه ويحبونه بعد وضوح البرهان الذي جاءك بطريق الوحي" (?).

و(الهوى)، هو الميل؛ ومنه يقال للنجم: (هوى) إذا مال، وسقط؛ ويطلق (الهوى) في الغالب على الميل عن الحق؛ ويقابله (الهدى)؛ فيقال: اتبعَ الهوى بعد الهدى؛ وإن صح الحديث وهو قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به" (?) - فهو دليل على أن الهوى يكون في الخير كما يكون في الشر (?).

قال ابن عطية: " وهوى النفس: إنما يستعمل في الأكثر: فيما لا خير فيه، وقد يستعمل في الخير مقيدا به، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه في أسرى بدر: "فهوي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر" (?) " (?).

قال السعدي: "إنما قال: {أهواءهم}، ولم يقل: (دينهم}، لأن ما هم عليه مجرد أهوية نفس، حتى هم في قلوبهم يعلمون أنه ليس بدين، ومن ترك الدين، اتبع الهوى ولا محالة، قال تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} " (?).

واختلفوا في المخاطب في قوله تعالى: {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ} [البقرة: 145]، على ثلاثة أوجه (?):

أحدها: أن الخطاب له -صلى الله عليه وسلم- في الظاهر، وهو في المعنى لأمته، كما قال: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [الطلاق: 1].

الثاني: أن المراد: الرسول وغيره. فإن ظاهر الخطاب وإن كان مع الرسول إلا أن المراد منه غيره والغرض منه أن لا يميل إلى مخاطبتهم ومتابعتهم أحد من الأمة.

الثالث: وقيل غيره، لأنه تعالى عرف أن الرسول لا يفعل ذلك، فلا يجوز أن يخصه بهذا الخطاب.

والراجح، أن الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد أمته، "وما ورد من هذا النوع الذي يوهم من النبي صلى الله عليه وسلم ظلما متوقعا فهو محمول على إرادة أمته لعصمة النبي صلى الله عليه وسلم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015