أحدها: أنه دفع لتجويز النسخ، وبيان أن هذه القبلة لا تصير منسوخة.

والثاني: حسما لأطماع أهل الكتاب فإنهم قالوا: لو ثبت على قبلتنا لكنا نرجوا أن يكون صاحبنا الذي ننتظره، وطمعوا في رجوعه إلى قبلتهم.

الثالث: المقابلة يعني ما هم بتاركي باطلهم وما أنت بتارك حقك.

الرابع: أراد أنه لا يجب عليك استصلاحهم باتباع قبلتهم، لأن ذلك معصية.

الخامس: وما أنت بتابع قبلة جميع أهل الكتاب من اليهود والنصارى لأن قبلة اليهود مخالفة لقبلة النصارى، فلليهود بيت المقدس وللنصارى المشرق، فالزم قبلتك ودع أقوالهم.

قوله تعالى: {وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ} [البقرة: 144]، أي: "وما اليهود بتابعةٍ قبلةَ النصارى، ولا النصارى بتابعةٍ قبلة اليهود فمتوجِّهةٌ نحوها" (?).

قال السدي: " يقول: ما اليهود بتابعي قبلة النصارى، ولا النصارى بتابعي قبلة اليهود" (?). وروي عن ابن زيد وابن زيد (?) مثله.

قال ابن عثيمين: " فاليهود لا تتبع قبلة النصارى؛ والنصارى لا تتبع قبلة اليهود؛ لأن النصارى يقولون: إن اليهود كفار؛ واليهود يقولون: إن النصارى كفار ليسوا على حق؛ ولهذا يكذبون عيسى صلى الله عليه وسلم" (?).

قال المراغي: " أي إن اليهود لا تترك قبلتها وتتجه إلى المشرق، والنصارى لا تغيّر قبلتها وتتجه إلى المغرب، لأن كلا منهما متمسك بما هو فيه، محقّا كان أو مبطلا، ولا ينظر إلى حجة وبرهان، إذ التقليد أعمى بصيرته، فلا يبحث فى فائدة ما هو فيه، ولا يوازن بينه وبين غيره، ليتّبع أصلح الأمور وأكثرها نفعا" (?).

قال أبو السعود: " فإن اليهودَ تستقبلُ الصخرةَ والنصارى مطلع الشمس لا يرجى توافقُهم كما لا يرجى موافقتُهم لك لتصلُّب كلِّ فريقٍ فيما هو فيه" (?).

وفي قوله تعالى: {وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ} [البقرة: 144]، تفسيران (?):

أحدهما: أن المعنى: ليست اليهود متبعة قبلة النصارى ولا النصارى متبعة قبلة اليهود، قاله السدي (?)، وابن زيد (?).

قال ابن عطية: "فهذا إعلام باختلافهم وتدابرهم وضلالهم" (?).

الثاني: أن معنى الآية: وما من أسلم معك منهم بمتبع قبلة من لم يسلم، ولا من لم يسلم بمتبع قبلة من أسلم.

قال ابن عطية: "والأول أظهر في الأبعاض، وقبلة النصارى مشرق الشمس وقبلة اليهود بيت المقدس" (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015