تَعْدُو بِنَا شَطْر جَمْعٍ وهْيَ عَاقِدةٌ ... قَدْ كَارَبَ العَقْدُ مِنْ إيفَادِهَا الحَقَبَا" (?)
وقد اختلفوا في المكان الذي أمر الله نبيّه صلى الله عليه وسلم أن يولَّيَ وجهه إليه من المسجد الحرام، وفيه قولان (?):
أحدهما: أن القبلةُ التي حُوِّل إليها النبي صلى الله عليه وسلم، وعناها الله: حيالَ ميزاب الكعبة. قاله: عبدالله بن عمرو (?).
والثاني: أن البيت كله قبلةٌ، وقبلةُ البيت الباب. قاله: ابن عباس (?).
والصواب: أن "المولِّي وجهه شطرَ المسجد الحرام، هو المصيبُ القبلةَ" (?)، وقبلة البيت بابه، كما قال أسامة بن زيد: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرجَ من البيت أقبلَ بوجهه إلى الباب، فقال: هذه القبلةُ، هذه القبلة" (?). والله أعلم.
قوله تعالى: {وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهْ} [البقرة: 144]، " فأينما كنتم من الأرض أيها المؤمنون فحوِّلوا وجُوهكم في صلاتكم نَحو المسجد الحرام وتلقاءَه" (?).
قال الصابوني: " أي: وحيثما كنتم أيها المؤمنون فتوجهوا في صلاتكم نحو الكعبة أيضاً " (?).
قال المراغي: " أي وفي أىّ مكان كنتم فاستقبلوا جهته بوجوهكم فى الصلاة" (?).
قال ابن عثيمين: " عدل عن الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم إلى الخطاب لأمته؛ لأن الخطاب الموجه للنبي صلى الله عليه وسلم خطاب له، وللأمة؛ إذ إنه الإمام؛ والخطاب إذا وجه للإمام فهو خطاب له، ولمن اتبعه" (?).
قوله تعالى: {وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ} [البقرة: 144]، " أي إِن اليهود والنصارى ليعلمون أن هذا التحويل للقبلة حقٌ من عند الله" (?).
قال المراغي: " أي وإن أهل الكتاب يعلمون أن ذلك التولي شطر المسجد الحرام، هو الحق المنزل من الله على نبيه صلى الله عليه وسلم، وهم مع هذا يفتنون ضعاف المؤمنين في دينهم ويتقبلون ذلك منهم، إذ يذكرون للناس أقوالا على أنها من كتبهم، وما هى من كتبهم، ولكن يريدون بذلك الخداع والفتنة والتهويش على الذين في قلوبهم مرض، بإثارة الشكوك فى نفوسهم" (?).
واختلف في قوله تعالى: {وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ} [البقرة: 144]، على قولين (?):
أحدهما أنهم أحبارَ اليهود وعلماء النصارى.
والثاني: عنى بذلك اليهودَ خاصةً. قاله السدي (?).