والقول الأول أولى بالصواب، أي: أن هؤلاء الأحبارَ والعلماءَ من أهل الكتاب، يعلمون أن التوجُّهَ نحو المسجد، الحقُّ (?) الذي فرضه الله عز وجل على إبراهيم وذريته وسائر عباده بعده (?)، وأن هذا التحويل كان في بشارة أنبيائهم برسول الله صلى الله عليه وسلّم أنه يصلي إلى القبلتين. والله أعلم.
قال القرطبي: فإن قيل: كيف يعلمون ذلك وليس من دينهم ولا في كتابهم؟ قيل عنه جوابان (?):
أحدهما: أنهم لما علموا من كتابهم أن محمدا صلى الله عليه وسلم نبي علموا أنه لا يقول إلا الحق ولا يأمر إلا به.
الثاني: أنهم علموا من دينهم جواز النسخ وإن جحده بعضهم، فصاروا عالمين بجواز القبلة.
قوله تعالى: {وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ} [البقرة: 144]، " أي: وليس (?) الله بغافل عما تعملون أيها المؤمنون يجازيَكم به أحسن جزاء" (?).
قال مقاتل: " يعني عما يعملون من كفرهم بالقبلة" (?).
قال الصابوني: " أي لا يخفى عليه شيء من أعمالهم وسيجازيهم عليها" (?).
قال المراغي: أي" فهو العليم بالظاهر والباطن والمحاسب على ما في السرائر، والرقيب على الأعمال، فيجازي كل عامل بما عمل، إن خيرا فخير وإن شرا فشر، ولا يخفى ما في هذا من التهديد والوعيد الشديد لليهود على عنادهم، وإيقادهم نار الفتنة بين المؤمنين" (?).
قال البيضاوي: " وعد ووعيد للفريقين" (?).
قال أبو السعود: " وعد ووعيد للفريقين والخطابُ للكل تغليبا" (?).
قال القاسمي: " فيه إنباء بتماديهم على سوء أحوالهم" (?).
قال الشيخ ابن عثيمين: "إن (ما) اسم موصول تفيد العموم؛ يعني: عن أيّ عمل يعملونه سواء كان يتعلق بالجوارح، أو يتعلق بالقلوب؛ فيشمل الاعتقاد، ويشمل القول، والفعل (?).
واختلفت القراءة في قوله تعالى: {وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ} [البقرة: 144]، على وجهين (?):
أحدهما: {تعملون}، بالتاء، قرأ بها ابن عامر وحمزة والكسائي، على مخاطبة أهل الكتاب أو أمة محمد صلى الله عليه وسلم. وعلى الوجهين فهو إعلام بأن الله تعالى لا يهمل أعمال العباد ولا يغفل عنها، وضمنه الوعيد.
الثاني: {يَعْمَلُونَ}، بالياء من تحت، قرأ بها الباقون.
الفوائد:
1 - لا خلاف بين العلماء أن الكعبة قبلة في كل أفق، وأجمعوا على أن من شاهدها وعاينها فرض عليه استقبالها، وأنه إن ترك استقبالها وهو معاين لها وعالم بجهتها فلا صلاة له، وعليه إعادة كل ما صلى ذكره