وفي قوله تعالى: {وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرةً إلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ} [البقرة: 143]، أربعة تأويلات (?):
أحدها: معناه وإن التولية عن بيت المقدس إلى الكعبة والتحويل إليها لكبيرةٌ، وهذا قول ابن عباس (?)، ومجاهد (?)، وقتادة (?).
والتأنيث في قوله {كانت}، للتولية، لأنه قال: {ما ولاهم عن قبلتهم التى كانوا عليها} ثم قال عطفا على هذا: {وإن كانت لكبيرة} أي وإن كانت التولية.
والثاني: إن الكبيرة هي القبلة بعينها التي كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يتوجه إليها من بيت المقدس قبل التحويل، وهذا قول أبي العالية الرياحي (?).
لأنه لا بد له من مذكور سابق وما ذاك إلا القبلة في قوله: {وما جعلنا القبلة التى كنت عليها} [البقرة: 143].
والثالث: أن الكبيرة هي الصلاة، التي كانوا صَلَّوْهَا إلى القبلة الأولى، وهذا قول عبد الرحمن بن زيد (?).
والراجح هو القول الأول، " لأن القوم إنما كبُر عليهم تحويل النبي صلى الله عليه وسلم وَجْهه عن القبلة الأولى إلى الأخرى، لا عين القبلة، ولا الصلاة. لأن القبلة الأولى والصلاة، قد كانت وهى غير كبيرة عليهم" (?).
قال الرازي: "إن قلنا الامتحان وقع بنفس القبلة، قلنا: إن تركها ثقيل عليهم، لأن ذلك يقتضي ترك الألف والعادة، والإعراض عن طريقة الآباء والأسلاف وإن قلنا: الامتحان وقع بتحريف القبلة قلنا: إنها لثقيلة من حيث أن الإنسان لا يمكنه أن يعرف أن ذلك حق إلا بعد أن عرف مسألة النسخ وتخلص عما فيها من السؤالات، وذلك أمر ثقيل صعب إلا على من هداه الله تعالى حتى عرف أنه لا يستنكر نقل القبلة من جهة إلى جهة كما لا يستنكر نقلة إياهم من حال إلى حال في الصحة والسقم والغنى والفقر، فمن اهتدى لهذا النظر ازداد بصره، ومن سفه واتبع الهوى وظواهر الأمور ثقلت عليه هذه المسألة" (?).
وذكر أهل التفسير في قوله تعالى: {هَدَى اللَّهُ} [البقرة: 143]، وجهان من المعنى:
أحدهما: أي: الذين ثبت الله. قاله ابن عباس (?).
الثاني: أن المراد: عصم الله. قاله قتادة (?).
قال ابن عثيمين: " والمراد بالهداية هنا: هداية العلم، وهداية التوفيق؛ أما كونها هداية العلم فلأن الذين يخشون الله هم العلماء، كما قال الله تعالى: {إنما يخشى الله من عباده العلماء} [فاطر: 28] أي العلماء به، وبأسمائه، وصفاته، وبأحكامه؛ هذه هي هداية العلم؛ لأنهم إذا علموا خشوا الله سبحانه وتعالى، ولم يكرهوا شريعته، ولم يكبر ذلك عليهم، ولم يشق؛ كذلك هداية التوفيق - وهي المهمة: إذا وفق العبد للانقياد لله سبحانه وتعالى سهل عليه دينه، وصار أيسر عليه من كل شيء، كما قال تعالى: {{فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} [الليل: 5 - 7] " (?).