فقال المنافقون: ما بالهم كانوا على قبلة ثم تركوها، وقال المسلمون: لسنا نعلم حال إخواننا الذين ماتوا وهم يصلون نحو بيت المقدس، وقال آخرون: اشتاق إلى بلد أبيه ومولده، وقال المشركون: تحير في دينه.

قال الرازي: " والقول الأخير أولى، لأن الشبهة في أمر النسخ أعظم من الشبهة الحاصلة بسبب تعيين القبلة، وقد وصفها الله تعالى بالكبيرة فقال: {وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله} فكان حمله عليه أولى" (?).

وقوله تعالى {مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ}، استعارة ومعناه: "من يكفر بالله ورسوله، ووجه الاستعارة أن المنقلب على عقبيه قد ترك ما بين يديه وأدبر عنه، فلما تركوا الإيمان والدلائل صاروا بمنزلة المدبر عما بين يديه فوصفوا بذلك كما قال تعالى: {ثم أدبر واستكبر} [المدثر: 23] وكما قال: {كذب وتولى} [طه: 48]، وكل ذلك تشبيه" (?).

قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ} [البقرة: 143]، "أي وإِن كان هذا التحويل لشاقاً وصعباً إِلاّ على الذين هداهم الله" (?).

قال ابن عباس: " يعني: تحويلها على أهل الشك والريبة" (?).

قال مجاهد: " يقول: ما أمروا به من التحول إلى الكعبة من بيت المقدس"" (?)، وروي عن أبي العالية، وقتادة، ومقاتل بن حيان نحو ذلك (?).

قال الزجاج: " يعني قبلة بيت المقدس، أي وإن كان اتباعها لكبيرة، المعنى إنه كبير على غير المخلصين، فأما من أخلص فليست بكبيرة عليه، كما قال: {إلا على الذين هدى الله} أي فليست بكبيرة عليهم" (?).

قال ابن كثير: "أي: "هذه الفعلة، وهو صرف التوجه عن بيت المقدس إلى الكعبة، وإن كان هذا الأمر عظيماً في النفوس، إلا على الذين هدى الله قلوبهم، وأيقنُوا بتصديق الرسُول، وأنَّ كلَّ ما جاء به فهو الحقّ الذي لا مرْية فيه، وأن الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، فله أن يكلّف عباده بما شاء، وينسخ ما يشاء، وله الحكمة التامة والحجة البالغة في جميع ذلك " (?).

و(الكبَر): "يراد به الشيء الشاق العظيم؛ ومنه قوله -صلى الله عليه وسلم- في صاحبَي القبرين: «إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير» (?)، أي في أمر شاق عليهما" (?).

قال الرازي: أي: " لثقيلة شاقة مستنكرة كقوله: {كبرت كلمة تخرج من أفواههم} [الكهف: 5]، أي: عظمت الفرية بذلك، وقال الله تعالى: {سبحانك هذا بهتان عظيم} [النور: 16]، وقال: {إن ذالكم كان عند الله عظيما} [الأحزاب: 53] " (?).

قال ابن عطية: " وشهد الله تعالى في هذه الآية للمتبعين بالهداية" (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015