قوله تعالى: {إِلا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ} [البقرة: 143]، أي "إِلا لنختبر إِيمان الناس فنعلم من يصدّق الرسول، ممن يشكّك في الدين ويرجع إِلى الكفر لضعف يقينه" (?).

قال الطبري: أي: " ليظهر حالُ من يَتَّبعك ويُطيعك ويستقبل معك حيثما توجهتَ مِمَّن ينقلب على عَقبَيْه، أي: مُرْتَدّاً عن دينه" (?).

قال البيضاوي: أي: " إلا لنمتحن به الناس ونعلم من يتبعك في الصلاة إليها، ممن يرتد عن دينك إلفاً لقبلة آبائه" (?).

وإن قيل: كيف يكون علمه تعالى غاية الجعل وهو لم يزل عالماً.

قلت-البيضاوي-: "هذا وأشباهه باعتبار التعلق الحالي الذي هو مناط الجزاء، والمعنى ليتعلق علمنا به موجوداً. وقيل: ليعلم رسوله والمؤمنون لكنه أسنده إلى نفسه لأنهم خواصه، أو لتميز الثابت من المتزلزل كقوله تعالى: {لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ}، فوضع العلم موضع التمييز المسبب عنه، ويشهد له قراءة ليعلم على البناء للمفعول، والعلم إما بمعنى المعرفة، أو معلق لما في مَنْ من معنى الاستفهام، أو مفعوله الثاني ممن ينقلب، أي لنعلم من يتبع الرسول متميزاً ممن ينقلب" (?).

وفي قوله تعالى: {إِلا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ} [البقرة: 143]، ثلاثة أوجه (?):

أحدها: أن المراد علم ظهور. أي علم بأن الشيء حصل، فيعلمه أنه حاصل؛ وأما العلم به قبل وقوعه فهو علم بأنه سيحصل؛ وفرق بين العلم بالشيء أنه سيحصل، والعلم بأنه قد حصل.

الثاني: أن المراد علم الجزاء؛ لأن علم الله الكائن في الأزل لا يترتب عليه الجزاء حتى يُمتحن العبد، ويُنظر.

والثالث: وقيل المعنى: " وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لعلمنا من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه" (?).

والصواب الوجهان الأولان؛ وأحسنهما أن يكون المراد بالعلم هنا الذي يترتب عليه الجزاء؛ لأنه الواضح وليس فيه تكلف (?). والله أعلم.

قال ابن عثيمين: " وهذا ــــ وإن كان له وجه من حيث اللفظ؛ وهو أن يعبر بالمضارع عن الماضي أحياناً ــــ لكنه ضعيف هنا من حيث المعنى؛ إذ لا حكمة من ذلك؛ لأنه يكون معنى الآية: وما جعلنا هذا إلا لأننا قد علمنا من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه؛ وحينئذ يقال: إذاً ما الفائدة؟ ! لأنه لا يناسب أن الله ما جعل هذه القبلة إلا لأنه قد علم من يبقى على دينه، ومن لا يبقى" (?).

وقد ذكر الرازي في قوله تعالى: {إِلا لِنَعْلَمَ} [وجوها عن المفسرين (?):

أحدها: أن قوله: {إلا لنعلم} معناه إلا ليعلم حزبنا من النبيين والمؤمنين كما يقول الملك: فتحنا البلدة الفلانية بمعنى: فتحها أولياؤنا، ومنه يقال: فتح عمر السواد، ومنه قول عليه الصلاة والسلام فيما يحكيه عن ربه: "استقرضت عبدي فلم يقرضني، وشتمني ولم يكن ينبغي له أن يشتمني يقول وادهراه وأنا الدهر" وفي الحديث: "من أهان لي وليا فقد أهانني".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015