بل يصرح القرآن المجيد بأنّ كلّ امةٍ من الأمم جعل الله عليها شهيداً منهم من نبيٍ أو رسول أو إمام، قال تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا} [النساء: 42].
وقال تعالى: {وَنَزَعْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} [القصص: 76].
وقال تعالى: {وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلاء وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [النمل: 90].
وقال تعالى: {وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا ثُمَّ لا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ} [النحل: 85].
وقال تعالى: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} [الزُمَر: 70].
وقد يسأل السائل: مَن المراد من الأمة الوسط، هل هي الأمة الإسلامية بكاملها، تشهد على الناس ويشهد بعضها على بعض؟
فنقول: أجمع أهل العلم بأن الأمة الوسط هم الموصوفون بالعدالة والخيرية، ولا شكّ بأنّ الشاهد يجب انْ يكون عادلاً وإلاّ لا يصح الاستشهاد به في الدنيا فضلاً عن الآخرة، قال تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَى عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ} [الطلاق: 3]، والحال الأمة الإسلامية – بحكم الضرورة والبداهة – فيها العادل والظالم، والمؤمن والمنافق، والبر والفاجر، فكيف يستشهد الله تعالى بهم جميعاً؟ هذا ما لا يرتضيه العقل ويخالف الوجدان والذوق والمنطق السليم، والتحليل العلمي ويخالف أيضاً القرآن العظيم، يقول تعالى مخاطباً المؤمنين مِن هذهِ الأمة: {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأْيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} [آل عمران: 141]، فقوله تعالى: {وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهدَاءَ} لفظة "منكم" هنا للتبعيض، أي يتخذ بعضكم شهداء، فلو أنّ الأمة تشهد لقال: {ويتخذكم شهداء} وهذا دليل قرآنيٌ واضح على أنّ الشهداء على الأمة الإسلامية بعضها لا كلها. والله تعالى أهلم.
قال الفخر الرازي: "دلّت الآية على أن من ظهر كفره وفسقه نحو المشبّه، والخوارج، والروافض (?) فإنه لا يُعتدّ به في الإجماع، لأن الله إنّما جَعل الشهداء مَن وَصَفهم بالعدالة والخَيريّة، ولا يختلف في ذلك الحكم من فسق أو كفر بقوله أو فعل، ومن كفر برد النص أو كفر بالتأويل" (?).
أما القول بأن الأمة الوسط الشهيدة على الناس، هي الأمة الاسلامية بأجمعها (?)، فهذا فيه نظر، إذ روي عن الضحاك في قوله: " لتكونوا شُهداء على الناس "، يعني بذلك: الذين استقاموا على الهُدى، فهم الذين يكونون شهداء على الناس يوم القيامة، لتكذيبهم رُسلَ الله وكفرهم بآيات الله" (?).
قوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ} [البقرة: 143]، " أي وما أمرناك بالتوجه إِلى بيت المقدس ثم صرفناك عنها إِلى الكعبة"" (?).
قال الطبري: أي: "إنما شرعنا لك يا محمد التوجه أولا إلى بيت المقدس، ثم صرفناك عنها إلى الكعبة" (?).