ثم قال: "و (الناس) عام والمراد بهم الأمم الماضون والحاضرون وهذه الشهادة دنيوية وأخروية:

1 - فأما الدنيوية فهي حكم هاته الأمة على الأمم الماضين والحاضرين بتبرير المؤمنين منهم بالرسل المبعوثين في كل زمان وبتضليل الكافرين منهم برسلهم والمكابرين في العكوف على مللهم بعد مجيء ناسخها وظهورِ الحق، وهذا حكم تاريخي ديني عليه إذا نشأت عليه الأمة نشأت على تعود عرض الحوادث كلها على معيار النقد المصيب.

وفي حديث أنس بن مالك أن جنازة مرت فأثني عليه خيراً فقال النبي: "وجبت وجبت"، ثم مرت أخرى فأثني عليها شراً فقال النبي: "وجبت وجبت"، فلما سأله عمر عن ذلك قال: "من أثنيتم عليه خيراً وجبت له الجنة، ومن أثنيتم عليه شراً وجبت له النار، أنتم شهداء الله في الأرض، أنتم شهداء الله في الأرض، أنتم شهداء الله في الأرض" (?).

2 - ومن خصائص الأمة المحمدية الأخروية أنها تشهد لكل نبي أنكر قومه أنه قد بلغ، تشهد له بأداء الرسالة وتبليغها فيقبل الله شهادتها، والشهادة الأخروية هي ما رواه البخاري والترمذي عن أبي سعيد الخدري قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يجاء بنوح يوم القيامة، فيقال له: هل بلغت؟ فيقول: نعم، يا رب، فتسأل أمته: هل بلغكم؟ فيقولون: ما جاءنا من نذير، فيقول: من شهودك؟ فيقول: محمد وأمته، فيجاء بكم، فتشهدون "، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم {وكذلك جعلناكم أمة وسطا} [البقرة: 143]- قال: عدلا - {لتكونوا شهداء على الناس، ويكون الرسول عليكم شهيدا} [البقرة: 143] " (?).

فقوله (ثم قرأ) يدل على أن هذه الشهادة من جملة معنى الآية لا أنها عين معنى الآية، والظاهر من التعليل هو الشهادة الأولى لأنها المتفرعة عن جعلنا أمة وسطاً، وأما مجيء شهادة الآخرة على طِبقها فذلك لما عرفناه من أن أحوال الآخرة تكون على وفق أحوال الدنيا قال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) {قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) {قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه: 124 - 126] " (?).

قوله تعالى: {وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143]، أي: " ويشهد عليكم الرسول أنه بلغكم" (?).

قال ابن عثيمين: أي: النبي صلى الله عليه وسلم يشهد على أمته بأنه بلغ البلاغ المبين" (?).

قلت: وكون النبي-صلى الله عليه وآله- شاهداً على أمته وعلى الناس أجمعين هذهِ حقيقة قرآنية قد نصّ عليها القرآن في سور عديدة وآياتٍ كثيرة، منها الآية المبحوث عنها) إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا (وهكذا قال تعالى في سورة الفتح: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} [الفتح: 9].

ومنها قوله تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولا} ([المزمل: 16].

طور بواسطة نورين ميديا © 2015