قال الراغب: " الوسط في الأصل اسم للمكان الذي يستوي إليه المساحة من الجوانب في المدورة، ومن الطرفين في المطول كالنقطة من الدائرة ولسان الميزان من العمود، ويجعل عبارة عن العدل، وكذلك السواء والنصف، وشبه به كل ما وقع بين طرفين إفراط وتفريط كالجود بين السرف والبخل والشجاعة بين التهور والجبن" (?).

وهذا القول الأخير اختاره الطبري، إذ يقول: " وأنا أرى أن (الوسط) في هذا الموضع، هو (الوسط) الذي بمعنى: الجزءُ الذي هو بين الطرفين، مثل (وسَط الدار) محرَّك الوَسط مثقَّله، غيرَ جائز في " سينه " التخفيف. وأرى أن الله تعالى ذكره إنما وصفهم بأنهم (وسَط)، لتوسطهم في الدين، فلا هُم أهل غُلوٍّ فيه، غلوَّ النصارى الذين غلوا بالترهب، وقيلهم في عيسى ما قالوا فيه - ولا هُم أهلُ تقصير فيه، تقصيرَ اليهود الذين بدَّلوا كتابَ الله، وقتلوا أنبياءَهم، وكذبوا على ربهم، وكفروا به؛ ولكنهم أهل توسط واعتدال فيه. فوصفهم الله بذلك، إذ كان أحبَّ الأمور إلى الله أوْسطُها" (?).

وقد اعترض على رأيه الحافظ ابن حجر، قائلا: "لا يلزم من كون الوسط في الآية صالحاً لمعنى التوسط أن لا يكون أريد به معناه الآخر، كما نص عليه الحديث" (?).

قلت: أن جميع الأقوال السابقة متقاربة في المعنى وغير متنافية. والله أعلم.

قوله تعالى: {لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [البقرة: 143]، " أي لتشهدوا على الأمم يوم القامة أن رسلهم بلّغتهم" (?).

قال ابن عثيمين: " أي: تشهدون على الناس بأن الرسل قد بلغتهم؛ فمنهم من آمن، ومنهم من كفر" (?).

قال البيضاوي: " علة للجعل، أي لتعلموا بالتأمل فيما نصب لكم من الحجج، وأنزل عليكم من الكتاب أنه تعالى ما بخل على أحد وما ظلم، بل أوضح السبل وأرسل الرسل، فبلغوا ونصحوا. ولكن الذين كفروا حملهم الشقاء على اتباع الشهوات، والإِعراض عن الآيات، فتشهدون بذلك على معاصريكم وعلى الذين من قبلكم، أو بعدكم" (?).

قال ابن عاشور: "علة لجَعْلِهم وسطاً فإن أفعال الله تعالى كلها منوطة بحكم وغايات لعلمه تعالى وحكمته وذلك عن إرادة واختيار لا كصدور المعلول عن العلة كما يقول بعض الفلاسفة، ولا بوجوب وإلجاء كما توهمه عبارات المعتزلة وإن كان مرادهم منها خيراً فإنهم أرادوا أن ذلك واجب لذاته تعالى لكمال حكمته" (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015