قال السعدي: " أي: عدلا خيارا .. فجعل الله هذه الأمة، وسطا في كل أمور الدين، وسطا في الأنبياء، بين من غلا فيهم، كالنصارى، وبين من جفاهم، كاليهود، بأن آمنوا بهم كلهم على الوجه اللائق بذلك، ووسطا في الشريعة، لا تشديدات اليهود وآصارهم، ولا تهاون النصارى" (?).
قال البيضاوي: " أي خياراً، أو عدولاً مزكين بالعلم والعمل. وهو في الأصل اسم للمكان الذي تستوي إليه المساحة من الجوانب، ثم استعير للخصال المحمودة لوقوعها بين طرفي إفراط وتفريط، كالجود بين الإسراف والبخل، والشجاعة بين التهور والجبن، ثم أطلق على المتصف بها، مستوياً فيه الواحد والجمع" (?).
قال النسفي: " أي: كما جعلنا قبلتكم متوسطة بين المشرق والمغرب جعلناكم أمة وسطاً بين الغلو والتقصير فإنكم لم تغلوا غلو النصارى حيث وصفوا المسيح بالألوهية، ولم تقصروا تقصير اليهود حيث وصفوا مريم بالزنا وعيسى بأنه ولد الزنا" (?).
ويحتمل التشبيه في قوله تعالى {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: 143]، وجهين من التفسير (?):
أحدهما: أن التشبيه في قوله: {وَكذَلِكَ}، يرجع إلى ذكر الأنبياء الذين أنعم الله عليهم، وهم إبراهيم وأولاده، فلما ذكرهم وذكر النعمة عليهم بالكتاب المنزل، والحنيفية المستقيمة، قال: {وَكذَلِكَ} أي: وكما اخترنا إبراهيم وذريته واصطفيناهم، كذلك جعلناكم أمةً وسطًا.
الثاني: وقيل: هذه الآية تتصل بما قبلها من قوله: {يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} أي: هديناكم وخصصناكم دونهم بالصراط المستقيم، وتحويل قبلتكم إلى قبلة إبراهيم، وكذلك أنعمنا عليكم نعمة أخرى فقال: إنا جعلناكم عدولًا.
قال البيضاوي: " {وَكَذلِكَ، إشارة إلى مفهوم الآية المتقدمة، أي كما جعلناكم مهديين إلى الصراط المستقيم، أو جعلنا قبلتكم أفضل القبل." (?).
و(الوسَط): "اسم لما بين طرفي الشيء" (?).
قال الفراء: "الوَسَط المثقل: اسم، كقولك: رأسٌ وسط وأسفل، ولا تقولن ههنا: وسْط بالتخفيف، واحتجم وَسَط رأسه، وربما خفف، وليس بالوجه. وجلس وسْط القوم، ولا تقول: وسَط؛ لأنه في معنى بين القوم، وجلس وسَط الدار؛ لأن (بين) لا يصلح في هذا الموضع، وربما خفف" (?).
قال الجوهري: "كل وضع صلح فيه بين فهو (وسْط)، وإن لم يصلح فيه بين فهو (وسَط) بالتحريك، وربما سكن، وليس بالوجه، كقول الشاعر (?):
قالوا يالَ أشجع يومَ هَيْجٍ ... ووَسْط الدار ضَربًا واحْتِمايا" (?)
ومما يصدق هذا ما روي في الخبر: "الجالس وسْط الحلقة ملعون" (?)، لم يرو إلا بالتخفيف (?).
وقيل: (وَسَط): جمع واسط، و (فَعَل) يجوز في جمع (فاعل)، نحو: خدَم ونشَأ، والواسط: الذي يسِطُ الشيء، أي: يتوسطه، قال حسان (?):