{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (143)} [البقرة: 143]

التفسير:

وكما هديناكم -أيها المسلمون- إلى الطريق الصحيح في الدين، جعلناكم أمة خيارًا عدولا لتشهدوا على الأمم في الآخرة أن رسلهم بلَّغتهم رسالات ربهم، ويكون الرسول في الآخرة كذلك شهيدًا عليكم أنَّه بلَّغكم رسالة ربه. وما جعلنا -أيها الرسول- قبلة "بيت المقدس" التي كنت عليها، ثم صرفناك عنها إلى الكعبة بـ "مكة"، إلا ليظهر ما علمناه في الأزل؛ علما يتعلق به الثواب والعقاب لنميز مَن يتبعك ويطيعك ويستقبل معك حيث توجهت، ومَن هو ضعيف الإيمان فينقلب مرتدًا عن دينه لشكه ونفاقه. وإن هذه الحال التي هي تحول المسلم في صلاته من استقبال بيت المقدس إلى استقبال الكعبة لثقيلة شاقة إلا على الذين هداهم ومنّ عليهم بالإيمان والتقوى وما كان الله ليضيع إيمانكم به واتباعكم لرسوله، ويبطل صلاتكم إلى القبلة السابقة. إنه سبحانه وتعالى بالناس لرءوف رحيم.

في سبب نزول الآية قولان:

أحدهما: قال الواحدي: " قال ابن عباس في رواية الكلبي: كان رجال من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد ماتوا على القبلة الأولى، منهم أسعد بن زرارة وأبو أمامة أحد بني النجار، والبراء بن معرور أحد بني سلمة، وأناس آخرون، جاءت عشائرهم فقالوا: يا رسول الله توفي إخواننا وهم يصلون إلى القبلة الأولى، وقد صرفك الله تعالى إلى قبلة إبراهيم، فكيف بإخواننا؟ فأنزل الله: {وما كان الله ليضيع إيمانكم} الآية. ثم قال: {قد نرى تقلب وجهك في السماء} وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لجبريل عليه السلام: "وددت أن الله صرفني عن قبلة اليهود إلى غيرها" وكان يريد الكعبة، لأنها قبلة إبراهيم، فقال له جبريل: "إنما أنا عبد مثلك لا أملك

شيئا فسل ربك أن يحولك عنها إلى قبلة إبراهيم" ثم ارتفع جبريل وجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يديم النظر إلى السماء رجاء أن يأتيه جبريل بما سأله فأنزل الله تعالى هذه الآية" (?).

الثاني: أخرج الواحدي عن البراء قال: "صلينا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد قدومه المدينة ستة عشر شهرا نحو بيت المقدس، ثم علم الله - عز وجل - هوى نبيه - صلى الله عليه وسلم - فنزلت: {قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها} الآية" (?).

قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: 143]، " أي كما هديناكم إِلى الإِسلام كذلك جعلناكم يا معشر المؤمنين أمة عدولاً خيارا" (?).

قل ابن عثيمين: "أي: مثلَ هذا الجعل الذي جعلنا لكم وهو اتجاهكم إلى القبلة جعلناكم أمة وسطاً" (?).

قال الطبري: " كذلك خصصناكم ففضَّلناكم على غيركم من أهل الأديان، بأن جعلناكم أمة وسطًا" (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015