قال البيضاوي: " والقبلة: في الأصل الحالة التي عليها الإِنسان من الاستقبال، فصارت عرفاً للمكان المتوجه نحوه للصلاة" (?).
والقبلة: "هي الجهة التي يُصلى نحوها، ولا تصح الصلاة إلا بالاتجاه إليها، والقبلة من شعائر الإسلام، ومما يتميز به المسلمون وحدة قبلتهم، وسميت القبلة قبلة: لأن المصلى يقابلها وتقابله، وقيل لإقبال الناس عليها" (?).
قال الرازي: "يقال ولاه عنه صرفه عنه وولى إليه بخلاف ولى عنه ومنه قوله: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} [الأنفال: 16]، وقوله: {ما ولاهم} استفهام على جهة الاستهزاء والتعجب" (?).
قال الشيخ السعدي: " ودلت الآية على أنه لا يعترض على أحكام الله، إلا سفيه جاهل معاند، وأما الرشيد المؤمن العاقل، فيتلقى أحكام ربه بالقبول، والانقياد، والتسليم كما قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} [الأحزاب: 36]، {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65]، {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [النور: 51]، وقد كان في قوله (السفهاء) ما يغني عن رد قولهم، وعدم المبالاة به" (?).
وقد ذكر العلماء في هذا (التولي) وجهان (?):
الوجه الأول: وهو المشهور المجمع عليه عند المفسرين: أنه لما حولت القبلة إلى الكعبة من بيت المقدس عاب الكفار المسلمين فقالوا: ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها فالضمير في قوله: (ما ولاهم) للرسول والمؤمنين والقبلة التي كانوا عليها هي بيت المقدس.
واختلف أهل العلم في المدة التي صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو بيت المقدس بعد الهجرة، على أقوال (?):
أحدها: تسعة أشهر أو عشرة أشهر. وهذا قول أنس بن مالك رضي الله عنه (?).
الثاني: ثلاثة عشر شهرا. قاله معاذ (?).
الثالث: ستة عشر شهرا. قاله سعيد بن المسيب (?).
الرابع: سبعة عشر شهرا. قاله ابن عباس (?)، والبراء بن عازب (?).
قال الواقدي: "صرفت القبلة يوم الاثنين النصف من رجب على رأس سبعة عشر شهرا" (?).
الخامس: سنتان. حكاه الرازي (?).
قال الرازي: "وقول ابن عباس أثبت عندنا من سائر الأقوال" (?).