إذ "قالها بعض اليهود والمنافقون استهزاء، وذلك أنهم قالوا: اشتاق الرجل إلى وطنه" (?).

السادس: أن المراد بالسفهاء: الكفار وأهل النفاق واليهود، والآية عامة في هؤلاء كلهم، يدل عليه وهو قوله: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ} [البقرة: 130] فوجب أن يتناول الكل. وهذا قول ابن كثير (?)، والبيضاوي (?)، والحافظ ابن حجر (?)، وجماعة من أهل التفسير (?).

قال الرازي: " الأقرب أن يكون الكل قد قال ذلك، لأن الأعداء مجبولون على القدح والطعن فإذا وجدوا مجالا لم يتركوا مقالا البتة" (?).

مع أن هذه الأقوال لا تعارض بينها لاحتمال أن يكون كل صاحب قول ذكر ذلك من باب التفسير بالجزء والمثال أو على سبيل بيان الطائفة التي نزلت فيهم الآية (?)، إلا أن أظهر هذه الأقوال هو القول الأخير، لأن جمع السفهاء محلى بأل وهو يفيد العموم فيدخل فيه الكل. والله أعلم.

قال الزمخشري: " فإن قلت: أى فائدة في الإخبار بقولهم قبل وقوعه؟ قلت: فائدته أنّ مفاجأة المكروه أشدّ، والعلم به قبل وقوعه أبعد من الاضطراب إذا وقع لما يتقدّمه من توطين النفس، وأنّ الجواب العتيد قبل الحاجة إليه أقطع للخصم وأرد لشغبه، وقبل الرمي يراش السهم" (?).

قوله تعالى: {مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا} [البقرة: 142]، " أي ما صرفهم وحوّلهم عن القبلة التي كانوا يصلون إِليها وهي بيت المقدس" (?).

قال الطبري: " أيّ شيء حوّل وُجوه هؤلاء، فصرفها عن الموضع الذي كانوا يستقبلونه بوجوههم في صلاتهم؟ " (?).

قال ابن كثير: " أي: ما لهؤلاء تارة يستقبلون كذا، وتارة يستقبلون كذا؟ " (?).

قال المراغي: يعني: " أىّ شاء جرى لهؤلاء المسلمين، فصرفهم عن قبلتهم التي كانوا عليها، وهى قبلة النبيين والمرسلين من قبلهم؟ " (?).

قال الزجاج: " ما عدلهم عنها يعني قبلة بيت المقدس،

لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان أمر بالصلاة إلى بيت المقدس، لأن مكة وبيت الله الحرام كانت العرب آلفة

لحجه، فأحب الله - عز وجل - أن يمتحن القوم بغير ما ألفوه ليظهر من يتبع الرسول - صلى الله عليه وسلم - ممن لا يتبعه، كما قال الله عز وجل: {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ} [البقرة: 143]، فامتحن الله ببيت المقدس فيما روى لهذه العلة، والله أعلم" (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015