قلت: المشهور أن هذا التحويل قد تم في ليلة للنصف من شعبان للسنة الثانية من الهجرة، وهذا القول خلاف ما قال به الجمهور. والله أعلم.

الوجه الثاني: قول أبي مسلم، وهو أنه لما صح الخبر بأن الله تعالى حوله عن بيت المقدس إلى الكعبة وجب القول به، ولولا ذلك لاحتمل لفظ الآية أن يراد بقوله كانوا عليها، أي السفهاء كانوا عليها فإنهم كانوا لا يعرفون إلا قبلة اليهود وقبلة النصارى، فالأولى إلى المغرب والثانية إلى المشرق، وما جرت عادتهم بالصلاة حتى يتوجهوا إلى شيء من الجهات فلما رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم متوجها نحو الكعبة كان ذلك عندهم مستنكرا، فقالوا: كيف يتوجه أحد إلى هاتين الجهتين المعروفتين، فقال الله تعالى رادا عليهم؛ {قل لله المشرق والمغرب} (?).

قال الرازي: " واعلم أن أبا مسلم صدق فإنه لولا الروايات الظاهرة لكان هذا القول محتملا والله أعلم" (?).

وقد اختلف العلماء في السبب الذي كان من أجله يُصلِّي رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو بيت المقدس، قبل أن يُفرض عليه التوجُّه شطرَ الكعبة، وفيه قولان (?):

أحدهما: أن ذلك كان باختيار من النبي صلى الله عليه وسلم. قاله عكرمة (?)، والحسن البصري (?)، والربيع (?).

الثاني: أنه كان بفرض الله عز ذكره عليهم. وهو قول ابن عباس (?)، وابن جريج (?).

قوله تعالى: {قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ} [البقرة: 142]، أي: قل لهم يا محمد " لله وحده المشرق، والمغرب" (?).

قال الثعلبي: أي: " ملكا، والخلق عبيده يحولهم كيف شاء" (?).

قال ابن كثير: " أي: الحكم والتصرف والأمر كله لله، وحيثما تولوا فثمَّ وجه الله" (?).

قال الزمخشري: " أى بلاد المشرق والمغرب والأرض كلها" (?).

قال الواحدي: " أي: له أن يأمر بالتوجه إلى أي جهة شاء" (?).

قال البيضاوي: أي: " لا يختص به مكان دون مكان بخاصية ذاتية تمنع إقامة غيره مقامه، وإنما العبرة بارتسام أمره لا بخصوص المكان" (?).

قال أبو السعود: " أي لله تعالى ناحيتا الأرضِ أي الجهاتُ كلها ملكا وملكا وتصرفاً فلا اختصاصَ لناحيةٍ منها لذاتها بكونها قبلةً بدون ما عداها بل إنما هو بأمر الله سبحانه ومشيئتِه" (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015