قال ابن عاشور: " والخطاب موجه إلى اليهود أي لا ينفعكم صلاح آبائكم إذا كنتم غير متبعين طريقتهم، فقوله: {لَهَا مَا كَسَبَتْ} تمهيد لقوله: {وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ} إذ هو المقصود من الكلام، والمراد بما كسبت وبما كسبتم ثواب الأعمال بدليل التعبير فيه بلها ولكم، ولك أن تجعل الكلام من نوع الاحتباك والتقرير لها ما كسبت وعليكم ما كسبتم أي إثمه، ومن هذه الآية ونظائرها انتزع الأشعري التعبير عن فعل العبد بالكسب" (?)

ولما حاج الله تعالى اليهودَ في هؤلاء الأنبياء، فعقبه بهذه الآية لوجوه (?):

أحدها: ليكون وعظا لهم وزجرا حتى لا يتكلوا على فضل الآباء فكل واحد يؤخذ بعمله.

وثانيها: أنه تعالى بين أنه متى لا يستنكر أن يكون فرضكم عين فرضهم لاختلاف المصالح لم يستنكر أن تختلف المصالح فينقلكم محمد صلى الله عليه وسلم من ملة إلى ملة أخرى.

وثالثها: أنه تعالى لما ذكر حسن طريقة الأنبياء الذين ذكرهم في هذه الآيات بين أن الدليل لا يتم بذلك بل كل إنسان مسؤول عن عمله، ولا عذر له في ترك الحق بأن توهم أنه متمسك بطريقة من تقدم، لأنهم أصابوا أم أخطأوا لا ينفع هؤلاء ولا يضرهم لئلا يتوهم أن طريقة الدين التقليد، فإن قيل لم كررت الآية؟ قلنا فيه قولان، أحدهما: أنه عني بالآية الأولى إبراهيم ومن ذكر معه، والثانية أسلاف اليهود.

الفوائد:

1 - من فوائد الآية: بطلان التقليد، لأن قوله: {لها ما كسبت} يدل على أن كسب كل أحد يختص به ولا ينتفع به غيره، كما أن الاعتماد على أعمال الآباء لا يجدي شيئاً.

2 - ومنها: الترغيب في الإيمان، واتباع محمد عليه الصلاة والسلام، والتتحذير من مخالفته.

3 - - ومنها: أن الأبناء لا يثابون على طاعة الآباء بخلاف قول اليهود من أن صلاح آبائهم ينفعهم. وقال الله تعالى: {فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون} [المؤمنون: 101] وقال تعالى: {ليس بأمانيكم ولا أمانى أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به} [النساء: 123] وكذلك قوله تعالى: {ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى} [الأنعام: 164] وقال: {فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم} [النور: 54].

4 - ومنها أن العبد مكتسب، وليس معنى كون العبد مكتسبا دخول شيء من الأعراض بقدرته من العدم إلى الوجود.

5 - ومنها: أنه تعالى لا يؤاخذ أحداً بما لم يعمله؛ لقوله تعالى: {ولا تسألون عما كانوا يعملون}.

القرآن

{سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (142)} [البقرة: 142]

التفسير:

سيقول الجهال وضعاف العقول من اليهود وأمثالهم، في سخرية واعتراض: ما الذي صرف هؤلاء المسلمين عن قبلتهم التي كانوا يُصَلُّون إلى جهتها أول الإسلام؛ وهي "بيت المقدس" قل لهم -أيها الرسول-: المشرق والمغرب وما بينهما ملك لله، فليست جهة من الجهات خارجة عن ملكه، يهدي مَن يشاء من عباده إلى طريق الهداية القويم. وفي هذا إشعار بأن الشأن كله لله في امتثال أوامره، فحيثما وَجَّهَنا تَوَجَّهْنا.

في سبب نزول الآية: أخرج الواحدي عن عن البراء، قال: "لما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصلى نحو بيت المقدس ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحب أن يتوجه نحو الكعبة، فأنزل الله تعالى: {قد نرى تقلب وجهك في السماء} إلى آخر الآية، فقال السفهاء

طور بواسطة نورين ميديا © 2015