وذكر الزمخشري في قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ} [البقرة: 140]، معنيين (?):

أحدهما: أن أهل الكتاب لا أحد أظلم منهم، لأنهم كتموا هذه الشهادة وهم عالمون بها.

والثاني: أنا لو كتمنا هذه الشهادة لم يكن أحد أظلم منا فلا نكتمها.

واختلف في قوله تعالى: {مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً} [البقرة: 140]، على قولين (?):

أحدهما: يريد علمهم بأن الأنبياء كانوا على الإسلام. قاله مجاهد (?)، والربيع (?) والحسن (?).

والثاني: يريد: ما كتموه اليهود من أمر محمد صلى الله عليه وسلم ونبوَّتَه، وهم يعلمون ذلك ويجدونه في كتبهم. قاله قتادة (?)، والربيع (?)، وابن زيد (?).

والقول الأول أشبه بسياق الآية، إذ جاء إثر سرد قصة أنبيائه لهم. والله تعالى أعلم.

قوله تعالى: {وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [البقرة: 140]، يعني: "أن الله عزّ وجلّ لا يغفل عما يعمل هؤلاء؛ بل هو جل وعلا عالم به، وسوف يحاسبهم عليه" (?).

قال النسفي: " من تكذيب الرسل وكتمان الشهادة" (?).

قال الصابوني: " أي مطلع على أعمالهم ومجازيهم عليها وفيه وعيد شديد" (?).

قال البيضاوي: " وعيد لهم" (?).

قال ابن كثير: والقول فيه تهديد ووعيد شديد، أي: أن علمه محيط بعملكم، وسيجزيكم عليه (?).

قال أبو السعود: " يدخُل فيها كتمانُهم لشهادته سبحانه وافتراؤهم على الأنبياءِ عليهم الصَّلاةُ والسلام دُخولاً أولياً أي هو محيطٌ بجميعِ ما تأتونَ وما تذرونَ فيعاقبُكم بذلك أشد عقاب" (?).

وقرئ: {عما يعملون}، على صيغة الغَيْبة، فالضميرُ إما لمن كَتَم باعتبار المعنى وإما لأهلِ الكتاب (?).

الفوائد:

1 - من فوائد الآية: إبطال دعوى هؤلاء اليهود، والنصارى أن إبراهيم، وإسماعيل، وإسحاق، ويعقوب، والأسباط، كانوا هوداً أو نصارى؛ فهذه الدعوى باطلة؛ بل وصفُ هؤلاء الإسلام؛ فإبراهيم، وإسماعيل، وإسحاق، ويعقوب، والأسباط ليسوا هوداً، ولا نصارى؛ بل هم مسلمون لله سبحانه وتعالى.

2 - ومنها: رد علم هذه الأشياء إلى الله؛ لقوله تعالى: {أأنتم أعلم أم الله}.

3 - ومنها: الرد على أهل التحريف في أسماء الله، وصفاته الذين يقولون: «إن هذا جائز عقلاً على الله؛ فنقر به؛ وهذا يمتنع عقلاً على الله؛ فلا نقر به» كالمعتزلة، والأشاعرة، ونحوهم؛ نقول لهم كلهم في الجواب: {أأنتم أعلم أم الله}: أأنتم أعلم بما يجوز على الله، ويمتنع عليه، ويجب له، أم الله أعلم بما يمتنع عليه، ويجب له،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015