قال مقاتل: " يقول فإن صدق أهل الكتاب بالذي صدفتم به يا معشر المسلمين من الإيمان بجميع الأنبياء والكتب، فقد اهتدوا من الضلالة" (?).

قال ابن عطية: أي: " إن صدقوا تصديقا مثل تصديقكم" (?).

قال الطبري: أي" فإن صدّق اليهودُ والنصارَى بالله، ومَا أنزل إليكم، وما أنزل إلى إبراهيمَ وإسماعيل وإسحاقَ ويعقوبَ والأسباطِ، ومَا أوتي مُوسى وعيسى، وما أوتي النبيون من ربهم، وأقروا بذلك، مثلَ ما صدّقتم أنتم به أيّها المؤمنون وأقررتم، فقد وُفِّقوا ورَشِدوا، ولزموا طريق الحق، واهتدوا، وهم حينئذ منكم وأنتم منهم، بدخولهم في ملتكم بإقرارهم بذلك. فدلّ تعالى ذكره بهذه الآية، على أنه لم يقبل من أحد عَملا إلا بالإيمان بهذه المعاني التي عدَّها قَبلها" (?).

قال الزجاج: " فإِن قال قائل: فهل للإيمان مِثْلٌ هو غير الِإيمان؟ قيل له: المعنى واضح بين، وتأويله: فإِن أتَوْا بتصديق مثل تصديقكم وإِيمانكم - بالأنبياءِ، ووحَّدوا كتوحيدكم - فقد اهتدوا، أي فقد صاروا مسلمين مثلكم" (?).

وقوله تعالى: {بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ} [البقرة: 137]، اختلف المعربون في الباء، وفي (مثل) أيهما الزائد، وفيه قولان (?):

أحدهما: أن (مثل) هي الزائدة، وأن التقدير: فإن آمنوا بما آمنتم به فقد اهتدوا؛ وأن (مثل) زائدة إعراباً لا معنًى؛ وأن المعنى: أنهم إن آمنوا بما آمنتم به إيماناً مماثلاً لإيمانكم؛ فعلى هذا تكون الزيادة في كلمة (مثل).

وقد روي عن ابن عباس: لا تقولوا: {فإن آمنوا بمثل مَا آمنتم به فقد اهتدوا}، فإنه ليس لله مثل، ولكن قولوا: " فإن آمنوا بالذي آمنتم به فَقد اهتدوا " - أو قال: " فإن آمنوا بما آمنتم به " (?).

وهذه القراءة جاءت مصاحفُ المسلمين بخلافها، وأجمعت قَرَأة القرآن على تركها.

قال الطبري: " فكأن ابن عباس - في هذه الرواية إن كانت صحيحة عنه - يوجِّه تأويل قراءة من قرأ: {فإن آمنُوا بمثل مَا آمنتم به}، فإن آمنوا بمثل الله، وبمثل ما أنزل على إبراهيم وإسماعيل. وذلك إذا صرف إلى هذا الوجه، شِركٌ لا شكَّ بالله العظيم. لأنه لا مثل لله تعالى ذكرُه، فنؤمن أو نكفر به" (?).

الثاني: أن الزائد هو (الباء) حرف الجر؛ وأن التقدير: فإن آمنوا مثل ما آمنتم - أي مثل إيمانكم -؛ والباء الثانية أيضاً زائدة.

وقد اتفق الجميع على أن المراد الزيادة الإعرابية؛ وليست الزيادة المعنوية؛ لأنه ليس في القرآن ما هو زائد معنى - أي لا فائدة فيه -؛ والمعروف أن الأسماء لا تزاد؛ وأما الزيادة في الحروف فكثيرة؛ لأن الاسم كلمة جاءت لمعنى في نفسها؛ والحرف كلمة جاءت لمعنى في غيرها؛ ومعلوم أننا لو وزنا بالميزان المستقيم لكان ما يجيء لمعنى في غيره أولى بالزيادة مما يجيء لمعنى في نفسه؛ ولهذا أنكر بعض النحويين زيادة الأسماء، وقالوا: لا يمكن أن تزاد الأسماء؛ لأنها جاءت لمعنى في ذاتها؛ بخلاف الحرف؛ فعلى هذا تكون الزيادة في الباء - أي فإن آمنوا مثل ما آمنتم -؛ أي مثل إيمانكم؛ وعلى كلا الاحتمالين من حيث الإعراب فالمعنى واحد - أي إن آمنوا إيماناً مطابقاً لإيمانكم مماثلاً له من كل الوجوه فقد اهتدوا -.

و(الهداية) هنا هداية العلم، والتوفيق؛ لأنهم آمنوا عن علم فوفِّقوا، واهتدوا؛ والهداية هنا مطلقة كما أن المسلمين الذين آمنوا على الوصف المذكور مهتدون هداية مطلقة (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015