قوله تعالى: {وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ} [البقرة: 137]، " أي وإِن أعرضوا عن الإِيمان بما دعوتهم إِليه، فاعلم أنهم إِنما يريدون عداوتك وخلافك، وليسوا من طلب الحق في شيء" (?).
قال مقاتل: " يقول: إن أبوا أن يؤمنوا بمثل ما آمنتم به، أي وإن كفروا بالنبيين وجميع الكتب، فإنما هم في ضلال واختلاف، نظيرها: {وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد}، يعني لفي ضلال واختلاف" (?).
قال ابن عطية: " أي أعرضوا، يعني به اليهود والنصارى، فإنما هم في شقاق لك، هم في شق وأنت في شق" (?).
قال الطبري: "أي: وإن تولى هؤلاء الذين قالوا لمحمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه: {كونوا هودًا أو نصارَى} فأعرضوا، فلم يؤمنوا بمثل إيمانكم أيّها المؤمنون بالله، وبما جاءت به الأنبياءُ، وابتُعِثت به الرسل، وفرّقوا بين رُسُل الله وبين الله ورسله، فصدّقوا ببعضٍ وكفروا ببعضٍ فاعلموا، أيها المؤمنون، أنهم إنما هُمْ في عصيان وفِرَاق وحَربٍ لله ولرسوله ولكم" (?).
قال الواحدي: " أي: [في] خلاف وعداوة، وتأويله: أنهم صاروا في شِقّ غير شَقّ المسلمين" (?).
قال الربيع: " {وإن تولوا} عنه يعني عن الإيمان" (?).
قال محمد بن إسحاق: " {وإن تولوا} على كفرهم" (?).
و(الشقاق): من (شَقَّ عليه هذا الأمر)، إذا كرَبه وآذاه، ثم قيل: (شاقَّ فلانٌ فلانًا)، بمعنى: نال كل واحد منهما من صاحبه ما كرَبه وآذاه، وأثقلته مَساءَته، ومنه قول الله تعالى ذكره: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا} [النساء: 35] بمعنى: فراقَ بينهما (?).
و(الشقاق) في اللغة: له ثلاثة معان:
أحدها: العداوة، مثل قوله تعالى: {وَيَا قَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ} [هود: 89].
قال الواحدي: والعداوة تسمى شقاقًا؛ لأنّ كلّ واحد من المعادين يأتي بما يشقّ على صاحبه، أو لأنّ كل واحد صار في شقّ غير شق صاحبه للعداوة والمباينة" (?).
والثاني: الخلاف، مثل قوله: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا} [النساء: 35].
والثالث: الضلالة، مثل قوله: {لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ} [الحج: 53].
وذكر أهل التفسير في قوله تعالى: {فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ} [البقرة: 137]، وجوها (?):
أولها: أن معناه: في خلاف. قاله ابن عباس (?)، وأبو العالية (?)، وقتادة (?) والربيع بن أنس (?)، وعطاء (?)، والأخفش (?).