تصديقهم، فإن الرسول الذي زعموا، أنهم قد آمنوا به، قد صدق سائر الرسل وخصوصا محمد صلى الله عليه وسلم، فإذا كذبوا محمدا، فقد كذبوا رسولهم فيما أخبرهم به، فيكون كفرا برسولهم" (?).
وفي قوله تعالى: {لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ} [البقرة: 136]، وجهان (?):
الأول: إنا لا نؤمن ببعض ونكفر ببعض، فإنا لو فعلنا ذلك كانت المناقضة لازمة على الدليل وذلك غير جائز. قال الفراء: "أي لا نؤمن ببعضهم ونكفر ببعضهم كما فعلت اليهود والنصارى" (?).
الثاني: لا نفرق بين أحد منهم، أي لا نقول: إنهم متفرقون في أصول الديانات، بل هم مجتمعون على الأصول التي هي الإسلام، كما قال الله تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ} [الشورى: 13].
والصواب الوجه الأول، لأنه أليق بسياق الآية، والله أعلم.
قوله تعالى: {وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [البقرة: 136]، أي: "ونحنُ له خاضعون بالطاعة، مذعنون له بالعبودية" (?).
قال الصابوني: " أي منقادون لأمر الله خاضعون لحكمه" (?).
قال أبو السعود: " أي مخلصون له ومُذعنون، حالٌ أُخرى منْهُ أو عطفٌ على {آمنا} " (?).
الفوائد:
1 - فقد اشتملت هذه الآية الكريمة - على إيجازها واختصارها - على أنواع التوحيد الثلاثة: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات، واشتملت على الإيمان بجميع الرسل، وجميع الكتب، وعلى التخصيص الدال على الفضل بعد التعميم، وعلى التصديق بالقلب واللسان والجوارح والإخلاص لله في ذلك، وعلى الفرق بين الرسل الصادقين، ومن ادعى النبوة من الكاذبين، وعلى تعليم الباري عباده، كيف يقولون، ورحمته وإحسانه عليهم بالنعم الدينية المتصلة بسعادة الدنيا والآخرة، فسبحان من جعل كتابه تبيانا لكل شيء، وهدى ورحمة لقوم يؤمنون.
2 - ومنها: أن الكتب التي أوتيها الرسل قد نزلت من عند الله؛ لقوله تعالى: {وما أنزل إلينا}، ولقوله تعالى: {لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط} [الحديد: 25].
3 - ومنها: الإشارة إلى البداءة بالأهم - وإن كان متأخراً؛ لقوله تعالى: {وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم} مع أن ما أنزل إلينا متأخر عما سبق.
4 - ومنها: الإيمان بما أوتي النبيون من الآيات الكونية، والآيات الشرعية.
5 - ومنها: أنه يجب الإيمان بجميع الأنبياء والرسل، على حد سواء في أصل الإيمان؛ وأما الشرائع فلكلٍّ منهم جعل الله شرعة ومنهاجاً، كما قال تعالى: {لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً} [المائدة: 48]؛ فنحن مأمورون باتّباع شريعة محمد صلى الله عليه وسلم التي نسخت جميع الأديان؛ أما في الإيمان بأنهم رسل من عند الله، وأنهم صادقون بما جاءوا به فإنا لا نفرق بين أحد منهم؛ لقوله تعالى: {لا نفرق بين أحد منهم}، وقوله تعالى: {آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله} [البقرة: 285].
6 - ومن فوائد الآية: وجوب الإخلاص لله عزّ وجلّ؛ لقوله تعالى: {ونحن له مسلمون}.