قال أبو السعود: أي: " من التوراة والإنجيل وسائر المعجزات الباهرة الظاهرة بأيديهما حسبما فُصّل في التنزيل الجليل وإيرادُ الإيتاء لما أشير إليه من التعميم وتخصيصُهما بالذكر لما أن الكلام مع اليهود والنصارى، {وَمَا أُوتِيَ النبيون} أي جملةُ المذكورين وغيرُهم، {مّن رَّبّهِمُ} من الآيات البيناتِ والمعجزاتِ الباهراتِ" (?).
قال قتادة: " أمر الله المؤمنين أن يؤمنوا به ويصدقوا بكتبه كلها وبرسله" (?).
وقال سليمان بن حبيب المحاربي: " إنما أمرنا أن نؤمن بالتوراة والإنجيل ولا نعمل بما فيها" (?).
وقد يسأل سائل: لِمَ عبر الله تعالى بقوله: {وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل}، وفي موسى وعيسى قال تعالى: {وما أوتي موسى وعيسى}؛ فهل هناك حكمة في اختلاف التعبير؟
فالجواب: أن نقول - والله أعلم-: إن هناك حكمة لفظية، وحكمة معنوية:
فالحكمة اللفظية: لئلا تتكرر المعاني بلفظ واحد؛ لو قال: (ما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وما أنزل إلى موسى ... وما أنزل إلى النبيين) تكررت أربع مرات؛ ومعلوم أن من أساليب البلاغة الاختصار في تكرار الألفاظ بقدر الإمكان.
وأما الحكمة المعنوية: فلأن موسى وعيسى دينهما باقٍ إلى زمن الوحي، وكان أتباعهما يفتخرون بما أوتوا من الآيات؛ فالنصارى يقولون: عيسى بن مريم يُحيي الموتى، ويفعل كذا، ويفعل كذا؛ وهؤلاء يقولون: إن موسى فلق الله له البحر، وأنجاه، وأغرق عدوه، وما أشبه ذلك؛ فبين الله سبحانه وتعالى في هذا أن هذه الأمة تؤمن بما أوتوا من وحي وآيات (?).
قوله تعالى: {لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ} [البقرة: 136]، أي: " لا نؤمن ببعض الأنبياء ونكفر ببعض" (?).
قال قتادة: " أمر الله المؤمنين أن لا يفرقوا بين أحد منهم" (?).
قال مقاتل: " فنؤمن ببعض النبيين، ونكفر ببعض، كفعل أهل الكتاب" (?).
قال الثعلبي: " فنؤمن ببعض ونكفر ببعض كما فعلت اليهود والنصارى" (?).
قال ابن عطية: " أي لا نؤمن ببعض ونكفر ببعض كما تفعلون" (?).
قال الواحدي: أي: " أي: لا نكفر ببعض ونؤمن ببعض كما فعلت اليهود والنصارى" (?).
قال الطبري: "بل نشهد لجميعهم أنّهم كانوا رسلَ الله وأنبياءَه، بعثوا بالحق والهدى" (?).
قال أبو السعود: " كدأب اليهود والنصارى آمنوا ببعض وكفروا ببعض وإنما اعتبروا عدمُ التفريق بينهم مع أن الكلامَ فيما أوتوه لاستلزام عدم التفريق بينهم بالتصديق والتكذيب لعدم التفريقِ بين ما أوُتوه" (?).
قال السعدي: أي: "بل نؤمن بهم كلهم، هذه خاصية المسلمين، التي انفردوا بها عن كل من يدعي أنه على دين، فاليهود والنصارى والصابئون وغيرهم - وإن زعموا أنهم يؤمنون بما يؤمنون به من الرسل والكتب - فإنهم يكفرون بغيره، فيفرقون بين الرسل والكتب، بعضها يؤمنون به وبعضها يكفرون به، وينقض تكذيبهم