قال الغلام: إني لا أشفي أحداً إنما يشفي الله تعالى، فأخذه فلم يزل يعذبه إلى أن عجز الغلام عن كتمان اسم الراهب، وقد صبر الغلام على القتل، وصبر جليس الملك على القتل، ولم يصبرا على الدلالة على بعضهم، ولا شك أنه تحمل كثيراً قبل أن ينطق، ولكن قد يصل الأمر إلى العجز فنسأل الله العافية، وإذا وصل الحال إلى ذلك كان الأمر بلا إثم إن شاء الله تبارك وتعالى.
قال: فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الراهب، وعرف مصدر الدعوة الذي كان صاحب الدعوة السرية، وهذا الذي لم يعلن نفسه للناس خطره ليس كبيراً على المجتمع، ولذلك مباشرة كان التوجيه إليه أن قيل له: ارجع عن دينك، فأبى، فأتي بالمنشار فوضع في مفرق رأسه فشقه به حتى وقع شقاه.
وانظر إلى صبر هذا الراهب، لم يرجع عن دينه أبداً، وهو الذي كان يقول: إذا ابتليت فلا تدل علي، ولعل من سمع هذه المقولة ظن أنه رجل ضعيف، وإذا به من أقوى الأقوياء، وشهد شهادة الحق في هذا الموطن، وأبى أن يرجع عن دينه، وتحمل في سبيل الله عز وجل حتى قتل شهيداً، فصار حياً عند الله عز وجل مع الشهداء.
ثم أتي بجليس الملك فقيل له: ارجع عن دينك فأتي، فؤتي بالمنشار، وهذه قتلة شديدة جداً، فالضرب بالسيف أهون، والقتل بالرصاص أهون.
وانظر إلى جليس الملك ذلك الذي يتحمل مثل هذا الألم العظيم، فالإسلام والإيمان يغير الإنسان أعظم تغيير، أتي بجليس الملك فقيل له: ارجع عن دينك، هؤلاء الذين كانوا من قبل رفقة في سبيل المحافظة على هذا الملك الزائل، فمستعد أن يقتل، وأن يعذب، وأن ينتهك حرمات أصفى الأصفياء، فهذه نوعية من البشر لا تعرف إلاً ولا ذمة، ولا تعرف حرمة ولا أثراً لعلاقة إنسانية، فجليس الملك من أقرب المقربين إليه ومن خاصته وأصفيائه ومع هذا يفعل به ذلك، أتي بجليس الملك فقيل له: ارجع عن دينك فأبى، فدعا بالمنشار فأمر به فشق حتى وقع شقاه.