قال الله تعالى: {فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا} [الكهف:11]، أي: ضرب الله على آذانهم بحيث صاروا لا يسمعون، وهذا من الآيات البينات المعجزات، فإن الإنسان وهو نائم -كما أثبتت ذلك الدراسات الحديثة، وكما هو ظاهر ممن ينظر إلى النائم- حواسه كلها غير مدركة، إلا حاسة السمع فهي أعظمها إدراكاً، فلو أنك حاولت أن توقظ النائم بأنواع من الحركات، والضوء الشديد وغير ذلك ما شعر شيئاً من هذا، فبصره مغلق، وحتى لو كان نائماً فأحياناً بعض النائمين يفتحون أعينهم، لكن البصر يكون في أعمق فترات السبات والسكون، وكذا الشم والذوق، فأعظم حاسة يمكن أن تحرك الإنسان النائم هي: السمع الذي يسمع به، لذلك إذا ضرب الله على أذنه فلا يمكن له أن يستيقظ إلا أن يوقظه الله سبحانه وتعالى، قال الله تعالى: {فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا} [الكهف:11]، وقد أجملها هنا ثم بينها بعد ذلك، فأخبر أنهم لبثوا ثلاثمائة وتسعاً ثم بعثهم؛ لأن الموت أخ للنوم، وهي آية من آيات الله على البعث، وهذه القصة مما ذكره الله عز وجل في أدلة الإيمان بالبعث، ذلك أنهم ناموا نوماً مثل الموت هذه المدة الطويلة، وهذا من العجب إذ كيف بقيت الأبدان محفوظة؟! وبم تغذت؟ ولكن يمكن أن يعرف ذلك في الواقع المشهود، فكم من كائنات تستكين، وتنام نوماً طويلاً، ومع ذلك تستهلك أقل جزء من الطاقة في أثناء نومها، ثم تستيقظ بعد شهور، فقدر الله لهؤلاء بقدرته العظيمة سبحانه وتعالى أن يظلوا في نومهم أحياء نائمين مدة ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعاً؛ ليدلنا على قدرته على البعث والنشور، وكذلك ليُعلم علماً يحاسب العباد عليه ((أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا))، ليعلموا أنهم لا يعلمون حقيقة الأمر، ولذا يجب عليهم أن يردوا الأمر إلى الله، وينسبوا العلم إليه سبحانه وتعالى، ففي قراءة (ليُعلم) والله أعلم.
لكن هنا (لنعلم) على قراءتنا: أي ليرى سبحانه وتعالى علم شهادة بعد أن علم ذلك غيباً، وإنما جعله آية للعباد ليعلموا أن الله عالم الغيب والشهادة، وأن يفوضوا ما يجهلونه في أي أمر من الأمور إلى الله سبحانه وتعالى.