الحركة الشعبية الروحية الإيمانية الشيخ عبد القادر الجيلاني، لقد كانت عوامل النهوض، عديدة منها، روح جديدة في مؤسسة الخلافة والوزارة، وقيادة رشيدة في ساحات الوغى، وزعامة شعبية روحية مخلصة لدين الله ساهمت في تقوية المقاومة للصليبيين وأمدت الأمة بقدرات مادية ومعنوية للتصدي للغزاة، وتحقيق التوازن العسكري ثم التفوق عليهم وفق رؤية نهضوية متكاملة وضع خطوطها العريضة القادة السياسيون، والعسكريون والعلماء الربانيون.
115. كان نور الدين محمود منُذ توليه الحكم في الثلاثين من عمره واضح الرؤية والهدف منُذ أن تسلم الحكم حتى يوم وفاته، إذ كان عليه واجب الجهاد لتحرير الأرض من الصليبين المعتدين وعلى رأسها بيت المقدس وتوفير الأمان للناس، وأدرك أن الانتصار على الصليبيين لا يتحقق إلا بعد جهاد طويل ومرير، حافل بالتضحيات في خطوات متتابعة تقَّرب كل منهما يوم الحسم، فالخطوة الأولى كان قد بدأها والده عماد الدين حين حرّر إمارة الرها التي تشكل تداخلاً في
الأراضي الإسلامية، فتمكن بذلك من تطهير الأرض الداخلية، وحصر الوجود الصليبي في الشريط الساحلي، وعليه أن يخطو الخطوة الثانية لذلك وضع أسس سياسة متكاملة تتضمّن توحيد بلاد الشام أولاً، ثم توحيد بلاد الشام ومصر التي كانت تعاني من الاضطرابات وفوضى الحكم ثانياً، وطرد الصليبيين في المنطقة ثالثاً وكان سبيله إلى ذلك مزيجاً من العمل السياسي والمعارك العسكرية والنشاط الثقافي العلمي والتربوي - التي تخدم توحيد الصف والهدف.
116. استطاعت دمشق بدعم من نور الدين وسيف الدين زنكي من صد هجوم الحملة الصليبية الثانية وقد ترتب على فشل الحملة الصليبية الثانية مجموعة من النتائج منها أججت الغرب أوروبي تجاه الأمبراطورية البيزنطية، وأثرت على طبيعة الوجود الصليبي، وأوضحت عجز الكيان الصليبي بإمكاناته المحلية عن تغيير واقع عام 539هـ/1144م وحتى مع الاعتماد على الوطن الأم عجز أيضاً وتعليل ذلك إلى جانب أخطاء الصليبيين القاتلة أن حركة الجهاد الإسلامي حينذاك وصلت إلى درجة لن تستطيع أن تعود معها عقارب الساعة إلى الوراء بل من الآن فصاعداً الإنجاز وراء الآخر حتى يتم طرد الصليبيين نهائياً من المنطقة لتصحيح خطأ الإنقسام الإسلامي الذي مهد للغزاة للقدوم للمنطقة.
117. حرص نور الدين على ضم دمشق وكانت خطته للإستيلاء على دمشق سلمياً تقتضي العمل على ثلاثة محاور، فالمحور الأول؛ يتمثل على توجيه حملة دعائية عامة إلى أهالي دمشق يتم خلالها إبراز الأحوال السيئة والأوضاع المتردية التي تسود إمارتهم بسبب سوء إدارة حكامها وفسادهم وتعاملهم مع الأعداء والمحور الثاني: العمل على الاتصال سراً بوجوه مدينة دمشق وأعيانها من كبار التجار والقضاة والعلماء وبعض قادة الجند وقادة التنظيمات الشعبية، لاستغلال نفوذهم وتأثيرهم لصالح التغيير المطلوب في الوقت المناسب والمحور