الثالث؛ أخذ نور الدين يراسل مجير الدين آبق ويستشيره في أمور المسلمين ويتقرب إليه بالهدايا حتى أطمأن إليه ووثق به، ثم أخذ يوقع بينه وبين قادته وأمرائه ونجحت المحاور الثالثة وتّم في النهاية ضم دمشق لجبهة المقاومة الإسلامية، وشكل هذا العمل نقطة تحول هامة في تاريخ الحروب الصليبية بفعل أنه ترتب على هذا التحول وحدة بلاد الشام الإسلامية تحت زعامة نور الدين محمود.
118. عمل نور الدين على ضم القوى الإسلامية وعلى إسقاط نفوذ الأسر الحاكمة في المدن والبقاع الشمالية، فاستطاع ضم شيزر عام 552بعد الزلزال التي أصابها، فجدد أسوارها ودخلت شيزر في دولة نور الدين، وضم بعلبك وانتزعها من الأسرة الجندلية
الدرزية، وضّم حّران ومنبج وفتح قلعة جعبر والموصل وتصالح مع سلاجقة الروم وحقق إلى حد كبير هدفه الاستراتيجي الأول وهو وحدة الدول والإمارات الإسلامية المواجهة للفرنجة وأصبح القضاء على الفرنجة مسألة وقت فقط.
119. دخل نور الدين في صراع مع مملكة بيت المقدس واستهدف تحقيق انتصارات في المجال الاقتصادي والسياسي والعسكري وبالمفاوضات أحياناً أخرى وقد أدركت الدولة النورية أن تجيش الجيوش ضد مملكة بيت المقدس الصليبية خير وسيلة من أجل تحقيق باقي الدوافع السابقة، وكانت هناك صلة وثيقة بين آلة الحرب للدولة النورية وتحركاتها السياسية، وقد حرصت الدولة النورية على الاستيلاء على عدد من القلاع والحصون الاستراتيجية من أجل إضعاف فعاليات المملكة الصليبية عسكرياً ولتأمين حدود الدولة النورية، ولإيجاد توازن عسكري مع المملكة الصليبية يتطور مستقبلاً إلى ما هو أبعد في سبيل تحقيق التفوق العسكري على الوجود الصليبي وهو ما تحقق في عهد السلطان الناصر صلاح الدين الأيوبي.
120. امتدت ساحة صراع نور الدين مع الصليبيين من إمارة الرها إلى أنطاكية ثم طرابلس وبيت المقدس وأسقط ما يزيد على الخمسين من الحصون والمعاقل، وتصارع مع جبهتين شمالية وجنوبية في آن واحد وارتبطت طموحاته بحكمته ودهائه السياسي وحافظ على طاقاته وإنجازاته.
121. تلخصت سياسة نور الدين تجاه إمارة الرها في القضاء على محاولة أميرها السابق استردادها ثم اتجاهه إلى أسره وإسقاط أملاكه، وطبيعي أن ندرك دوره في هذا المجال كان المحافظة على ما أمكن إنجازه في عهد والده والقضاء على المراكز الحصينة التي سيطر عليها جوسلين الثاني ويلاحظ أن جهوده نحوها لم تكن على ذلك المستوى الكبير الذي حظيت به إمارة أنطاكية مثلاً، نظراً لانتهاء قوة الرها الصليبية الفعلية في عهده.
122. كانت أهم ملامح العلاقات النورية الأنطاكية انتصارات تلو انتصارات بلغت ذروتها