وجاهدوا معه ضد الصليبيين وقاموا بسفارات لدولته وتولوا مناصب رفيعة وساهموا في تعليم وتربية الرعية.

94. اهتم الملك العادل نور الدين محمود بالشورى فقد رأى أهميتها في حيوية الأمة واستقرارها وأمنها، فقد كان له مجلس فقهاء يتألف من ممثلي سائر المذاهب السنية ورجال الإدارة والأمراء يبحثون في أمور الإدارة والنوازل والميزنية وكانت له مجالس شورى في القضايا العامة، وأخرى في القضايا المتخصصة، فقد مارس نور الدين زنكي الشورى على أسس صحيحة في دولته.

95. إن من يستعرض إنجازات نور الدين محمود في المجال الإداري يعتقد أن الرجل كان متخصصاً في هذا المجال ومتفرغاً له طول حياته دون غيره في المجالات ولا يسعه إلا الإعجاب بعقليته القيادية الفذة في بناء قيادات إدارية تحسن تنفيذ الخطط المرسومة، فقد اعتمد نور الدين محمود في إدارة دولته المتنامية على عدد كبير من الرجال الأكفاء فكان يختارهم بعناية فائقة وكان يضع الرجل المناسب في المكان المناسب، ومن بعد ذلك يراقبهم ويشرف عليهم حتى يتأكد من حسن أدائهم واستقامتهم.

96. حرصت القيادات السياسية والإدارية والعسكرية على العموم بالتزامها العقائدي في نشاطهاتها وممارساتها والسبب في ذلك يعود إلى تربيتها الإسلامية، وإلى شخصية نور الدين فقد كان نور الدين زنكي تقياً ورعاً وعّده بعض المؤرخين بأنه أفضل من جاء بعد عمر بن عبد العزيز من الحكّام وكان يحافظ على صلاة الجماعة ويكثر من الصلاة من الليل عارفاً بمذهب أبي حنيفة ولكن دون تعصّب على أحد فالمذاهب عنده سواء ولا تعدو على كونها مدارس في الفقه، وكان ذو تأثير كبير على رجاله ومعاونوه وقادة الجيش وأصبح بعضهم يقترب من مستوى نور الدين في العلم والأخلاق والتدين ومن أمثلة ذلك وزيره أبو

الفضل محمد بن عبد الله بن القاسم الشهرزوري، ومن الطريف أن هذه القيادات؛ كانت تتخير أسماءهم على نحو يوضح تعلقهم بالدين، فبينما البويهيون ينسبون أنفسهم للدولة فيقولون: عضد الدولة بهاء الدولة، صمصام الدولة، كان قادة هذه الدولة وأعوانهم والعاملون معهم يختارون عماد الدين، وسيف الدين وأسد الدين ونجم الدين، وصلاح الدين ونور الدين وثمة ملاحظة أخرى تعلق هذا الجيل بالدين جعلهم يحرصون على الجهاد والاستشهاد، فإذا لم يكتب لهم الاستشهاد أوصوا بدفنهم في مدافن المدينة المنورة، كما فعل الوزير جمال الدين الموصلي وأسد الدين شيركوه وأخوه نجم الدين أيوب والد صلاح الدين.

97. تواترت لدى المؤرخين المعاصرين أخبار الأمن والعدل واحترام الحريات العامة، كحرية الرأي والمحافظة على كرامة الفرد التي سادت في ذلك المجتمع في الوقت الذي انتفت

طور بواسطة نورين ميديا © 2015