91. كان نور الدين محمود زنكي قدوة في عدله، أسر القلوب وبهر العقول، فقد كانت سياسته تقوم على العدل الشامل بين الناس وقد نجح في ذلك على صعيد الواقع والتطبيق نجاحاً منقطع النظير، حتى اقترن اسمه بالعدل وسمي بالملك العادل، وكان من أسباب نصر الله لهذا الملك العادل على الباطنية والصليبيين إقامته للعدل في الرعية وإيصال الحقوق إلى أهلها، فالعدل في الرعية وإنصاف المظلوم يبعث في الأمة العزة والكرامة ويولد جيلاً محارباً وأمة تحررت إرادتها بدفع الظلم عنها، وقد سجل التاريخ بأن نور الدين محمود ساد العدل في دولته وتم إيصال حقوق الناس إليهم فنشطوا إلى الجهاد والدفاع عن دينهم وعقيدتهم، وأوطانهم وأعراضهم ومن أبرز أعماله التجديدية إقامته للعدل وقد أولى نور الدين المؤسسة القضائية اهتماماً كبيراً وجعلها قمة أجهزته الإدارية وخول القضاة على اختلاف درجاتهم في سلم المناصب القضائية صلاحيات واسعة، إن لم نقل مطلقه ومنحهم استقلالاً تاماً، لكونهم الأداة التنفيذية لإقرار مبادي الحق والعدل وتحويل قيم الشريعة ومبادئها إلى واقع ملتزم وتوجت جهوده بإنشاء دار العدل التي كانت بمثابة محكمة عليا لمحاسبة كبار الموظفين وإرغامهم على سلوك المحجة البيضاء أو طردهم واستبدالهم بغيرهم إن اقتضى الأمر.

92. لم يترك نور الدين في بلد من بلاده ضريبة ولا مكساً ولا عشراً إلا ورفعها جميعها من بلاد الشام والجزيرة وديار مصر وغيرها مما كان تحت حكمه وكانت النتيجية الطبيعية لذلك أن نشط الناس للعمل، فأخرج التجار أموالهم ومضوا يتاجرون وجاءت الجبابات الشرعية بأضعاف ما كان يجبى من وجوه الحرام. يقول ابن خلدون: العدوان على الناس في أموالهم ذاهب بآمالهم في تحصيلها واكتسابها لما يرونه حينئذ من أن غايتها ومصيرها انتهابها من أيديهم وإذا ذهبت آمالهم في اكتسابها وتحصيلها، وانقبضت أيديهم عن السعي في ذلك، وعلى قدر الاعتداء ونسبته، يكون انقباض أيديهم عن المكاسب، كسدت أسواق العمران وانتقضت الأحوال ويقول: العدوان على الناس في أموالهم وحرمهم ودمائهم وأسرارهم

وأعراضهم يفضي إلى الخلل والفساد دفعة وتنتقض الدولة سريعاً.

93. فهم نور الدين محمود أن من أسباب النهوض وجود القيادة الربانية فهي التي تستطيع أن تنقل بفضل الله وتوفيقه بالأمة نحو أهدافها المرسومة بخطوات ثابتة وكان على قناعة تامة بأهمية وجود العلماء الربانيين على رأس القيادة الربانية فهم قلب القيادة الربانية وعقلها المفكر فنور الدين زنكي يعرف أن تحرير الأرض وتوحيدها ليس عملاً سياسياً أو عسكرياً فحسب، بل أنه أوسع بذلك بكثير إنه بناء أمة مقاتلة تعرف كيف تحمي وجودها العقائدي وتحفظ حدود شخصيتها الحضارية من أن تتفتت وتضيع، ولذلك قدم العلماء على غيرهم في دولته وبذل لهم العطاء الجزيل، واتصل بالمشهورين من علماء الأمة وأتى بهم إلى بلاده،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015