إبعاد واعتقال عدد من أبرز أصحابه فلما خلت دمشق من زهرة أمرائها انتقل نور الدين خطوة أخرى فاتصل بأحداث دمشق (أي حرسها الشعبي) وجماهيرها واستمالهم فأجابوه إلى تسليم البلد، وعند ذاك تقدم لحصار دمشق وتمكن بمعونة أهلها أنفسهم من دخولها بسهولة بالغة ودونما إراقة للدماء (?)

فحقق بذلك الهدف الكبير الذي طالما سعى له أبوه، وقبل ذلك، وحينما بعث إليه الفاطميون - كما سيأتي بيانه بإذن الله - يطلبون منه القيام بهجوم على المواقع الصليبية جنوبي الشام لإشغالهم عن مهاجمة مصر، أجاب نور الدين أسامة بن منقذ سفيرهم في هذه المهمة: إن أهل دمشق، أعداء والإفرنج أعداء ما آمن منهما إذا دخلت بينهما (?) ويحدثنا أبو شامة عن إحدى خدع نور الدين حيث أغار على طبرية وجمع بعض أعلام الصليبيين وشيئاً من ملابسهم وسلاحهم وسلمها إلى أحد جنده قائلاً: أريد أن تعمل الحيلة في الدخول إلى بلبيس، وتخبر أسد الدين شيركوه المحاصر هناك بما فتح الله على المسلمين في بلاد الشام، وتعطيه هذه الأعلام وتأمره بنشرها في أسواق بلبيس فإن ذلك مما يفت في عضد الكفار ويدخل الوهن عليهم؛ ففعل أسد الدين ما أمربه، فلما رأى الصليبيون ذلك قلقوا وخافوا على بلادهم وسألوا حليفهم شاور- الوزير المصيري - الإذن بالإنفصال (?)، كما يحدثنا ابن الأثير عن الأسلوب الذي اعتمده نور الدين في فتح حصني المنبطرة بالشام 561هـ، فهو لم يحشد له ولا جمع عساكره وإنما سار إليه في سّريه من الفرسان على حين غرة من الصليبيين، إذ أدرك أنه يجمعه العسكر سيعطي الإشارة إلى خصومه لكي يأخذوا أهبتهم وما لبثت حامية الحصن أن فوجئت بهجوم نور الدين المباغت وبعد قتال عنيف سقط الحصن: ولم يجتمع لدفعه إلاّ وقد ملكه، ولو علموا أنه في قلعة من العساكر لأسرعوا إليه، إنما ظنوه أنه في جمع كثير، فلما ملكه تفرقوا وأيسوا من ردّه (?)، فهذه الأحداث تظهر صفة الجدية والذكاء المتوقد في شخصية نور الدين.

ثانيا: الشعور بالمسوؤلية:

ثانياً: الشعور بالمسوؤلية: تولد عن ورع نور الدين وتقواه إحساس شديد بالمسؤولية، ظهر في جميع أعماله وحالاته، فالخشية من الله تعالى تجعله دائماً في موقع المحاسب لنفسه المراقب لها حتى لا تتجاوز إلى ما يغضب الله، فهو يعتبر نفسه مسؤولاً أمام الله عن كل ما يتعلق برعيته، وكل ما يتعلق ببلاد المسلمين ودمائهم وحقوقهم حتى لو كانوا من غير رعيته

طور بواسطة نورين ميديا © 2015