فإذا كان باستطاعته مساعدتهم فهو مسؤول إذا قصر في تقديم هذه المساعدة، يظهر هذا الفهم الشامل للمسؤولية (?) في رسالة نور الدين محمود إل إيلدكز أمير أذربيجان وأرمينية وهمذان والري، جوابا على رسالته التي يطلب فيها من نور الدين عدم احتلال الموصل ويتهدده بأن لا سبيل له إليها قال نور الدين للرسول: قل لصاحبك: أنا أرحم ببني أخي (يعني سيف الدين غازي) منك، فلم، تدخل نفسك بيننا؟ وعند الفراغ من إصلاحهم يكون الحديث معك عند باب همذان فإنك قد ملكت نصف بلاد الإسلام وأهملت الثغور حتى غلب الكرج عليها، وقد بليت أنا وحدي بأشجع الناس: الفرنج، فأخذت بلادهم وأسرت ملوكهم، فلا يجوز لي أن أتركك على ما أنت عليه، فإنه يجب علينا القيام بحفظ ما أهملت من بلاد الإسلام، وإزالة الظلم عن المسلمين (?). كان نور الدين يشعر بالمسؤولية الملقاة على عاتقه تجاه الوقت أن يضيع هباء والدم المسلم من أن يُهدر، والكرامة الإسلامية من أن تهان والأرض الإسلامية من أن تُغزى وتُقتطع (?).
فحينما علم في عام 544هـ/1149م بتحالف الصليبيين قال: لا أنحرف عن جهادهم، إلا أنه مع ذلك كان يكفّ أيدي أصحابه عن العبث والإفساد في الضيَّاع ويحسن الرأي في الفلاحين ويعمل على التخفيف عنهم الأمر الذي أكسبه عطف وتأييد جماهير دمشق وسائر البلاد التابعة لها، فراحت تدعو له النصر. وكتب إلى زعماء دمشق: إنني ما قصدت بنزولي هذا المنزل طالباً لمحاربتكم، وإنما دعاني إلى هذا الأمر كثرة شكاية المسلمين ... بأن الفلاحين أخذت أموالهم وشتت نساؤهم وأطفالهم بيد الفرنج وانعدام الناصر لهم: فلا يسعني مع ما أعطاني الله وله الحمد من الاقتدار على نصرة المسلمين وجهاد المشركين وكثرة المال والرجال، ولا يحلّ لي القعود عنهم والانتصار لهم؛ مع معرفتي بعجزكم عن حفظ أعمالكم والذبّ عنها والتقصير الذي دعاكم إلى الاستصراخ بالفرنج على محاربتي وبذلكم لهم أموال الضعفاء والمساكين من الرعية ظلماً لهم وتعدياً عليهم، وهذا مالا يرضى الله تعالى ولا أحداً من المسلمين (?) وفي العام التالي خرج إليه أهل دمشق وكثير من أجنادها، بعد أن قرر عدم مهاجمتها عنوة كراهية لسفك دماء المسلمين، وانتقى بعدد من الطلاب والفقراء والضعفاء فلم يخيب أحداً من قاصديه (?). وقد أصر نور الدين طيلة الفترة التالية