فأعجبه، وقال لزوجته: أريد أن أزوّجه بابنتي، فغضبت الأُّمُّ. وكان يُقرأ عنده الحديث كل يوم بعد العصر، فحضر فقيه مالكي، فذكرت مسألة فخالف فيها الجمع، وأصَّر، فقال الوزير: أحمار أنت أما ترى الكُلَّ يخالفونك؟ فلما كان من الغد، قال للجماعة إنه جرى مني بالأمس في حق هذا الرجل مالا يليق، فليقُل لي كما قلت له، فما أنا إلا كأحِدكم فضبَّح المجلس بالبكاء، واعتذر الفقيه، قال: أنا أولى بالاعتذار، وجعل يقول: القِصاصَ القِصاصَ فلم يزل حتى قال يوسف الدَّمشقيَّ: إذ أبى القصاص فالفداء، فقال الوزير: له حكمه. فقال الفقيه: نِعُمك علي كثيرة، فأي حكم بقي لي؟ قال: لابُدَّ. قال: عليَّ دين مئة دينار. فأعطاه مئتي دينار، وقال لإبراء ذِمَّتِه، ومئة لإبراء ذمَّتي (?). قال ابن الجوزي: كان الوزير يتأسَّفُ على ما مضى، ويندم على ما دخل فيه، ولقد قال لي: كان عندنا بالقرية مسجدُ فيه نخلة تحمل ألف رطل، فحدثتُ نفسي أن أقيم في ذلك المسجد، وقلت لأخي مجد الدين: أقعُدُ أنا وأنت وحاصلها يكفينا، ثم انظر إلى ما صِرتُ (?)،
وكانت لابن هبيرة جهود علمية ومن أشهرها، تأليفه كتاب الإفصاح عن معاني الصحاح شرح فيه صحيحي البخاري ومسلم ومن شروحه الجميلة في هذا التصنيف شرحه للحديث القدسي، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله قال من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلى عبدي أحبَّ إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب لي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به (?). فقد قال في قوله: ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته: لأن التقرب بالنوافل يكون تلو أداء الفرائض، بدليل أنها ذكرت بعد ذكر الفرائض، يعني إذا أدام العبد التقرب بالنوافل أفضى ذلك إلى أن يحبه الله. ثم قال سبحانه: " فإذا أحببته كنت سمعه " وهذا لا أراه إلا أنه علامة، وأنه لمن يكون الله قد أحبه أن يكون هو سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها وتصوير ذلك أنه لا يسمع مالم يأذن الشرع في سماعه ولا يبصر مالم يأذن الشرع في إبصاره، ولا يمد يداً إلى مالم يأذن الشرع له في مدها إليه، ولا يسعى برجل إلا فيما أذن الشرع له في السعي بها إليه، فهذا هو الأصل، إلا أنه قد يغلب على عبد ذكر الله حتى يعرف بذلك، فإذ خوطب بغيره لم يكد يسمع لمن خاطبه حتى يتقرب إليه بذكر الله، غير أهل ذكر الله؛ توصلاً إلى أن يسمع لهم، وكذلك المبصرات والمتناولات والسعيَّ إليها وتلك طبقة عالية نسأل الله أن يجعلنا من أهلها (?).