رافعها بالنظر في ظلامته فمطله، ثم عاوده، فمطله ثم عاوده فَسَّوفَه، فقال له المتظلم هذا كلام من لا يعرف دبيب الساعات في انخرام الدول فارتاع أبو الفضل بن العميد لذلك واتعظ به ولآن قلبه، وقال: لله درك كيف قلت؟ فأعاد عليه القول، فوقع له بما أراد وآلى أن يرفع ظلامات المتظلمين، وقال لله درك يا فلان فما نصح لي غيرك، وإنما مثلنا فيما نحن فيه من الأمور السلطانية وما عمر فيها من أهوالها الملهية التي رانت على قلوبنا وأشغلتنا عن حظوظنا مثل مريض ملكته العلة وقسمت قلبه ومنعته عن النظر لنفسه، فيحتاج إلى طبيب حاذق يعنف في موضع العنف ويرفق في موضع الرفق، فقد قالت الحكماء والأطباء: إذا رأيت صاحب الخواطر والهموم وقد استفرغه الهواجس، فصح به صيحة تزعجه وتلهيه عما اجتمع له من المواد السوداوية (?) وقال: العجب ممن ينظر قبل أن يفعل في النجوم، ويحك انظر وما ترومه فإن كان طلب دنيا فهو فان، وإن كان طلب أخرى فهو باق، وإن كان حسنة فثمرتها السلامة، وإن كان سيئة فثمرتها الندامة (?).

وقال: شدة الغضب إنما تكون لقوة ذكاء الحواس لأن الذكي يدرك الأسباب الموجبة للغضب بسرعة، فيحتاج إلى زيادة قهر لنفسه في الغضب، وعدم الغضب على الإطلاق عيب لأن الإنسان يجب أن يغضب لله عز وجل (?). قال عنه ابن كثير: كان من خيار الوزراء وأحسنهم سيرة وأبعدهم عن الظلم وكان على مذهب السلف في الاعتقاد (?) وقال عنه ابن العماد: وكان شامة بين الوزراء لعدله ودينه، وتواضعه ومعرفته (?)، وقال عنه ابن الأثير: كان حنبلي المذهب، ديناً خيراً، عالماً، يسمع حديث النبي صلى الله عليه وسلم، وله في التصانيف الحسنة وكان ذا رأي سديد (?).

3 - جهوده في خدمة العلم والعلماء

3 - جهوده في خدمة العلم والعلماء: قام الوزير بن هبيرة بعمارة مدرسة بناها بباب البصرة تكاملت في سنة 557هـ وأقام فيها الفقهاء ورتب لهم الجراية وكان مدرسهم أبو الحسن البراندسي (?) وكان يكثر مجالسة العلماء والفقراء ويبذل لهم الأموال فكانت السنة تدور وعليه ديون، وقال: وما وجبت عليَّ زكاة قط وكان إذا استفاد شيئاً من العلم، قال: أفادينه فُلان فكان ينسب العلم لأهله وهذا من بركة العلم ومن الأمانة العلمية. قال ابن الجوزي: وقد أفدته معنى حديث، فكان يقول: أفادنيه ابن الجوزي، فكنت استحي، وجعل لي مجلساً في داره كل جمعه، ويأذن للعامة في الحضور، وكان بعض الفقراء يقرأُ عنده كثيراً،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015