{الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبهم يرْزقُونَ} وَإِمَّا فِي الْآخِرَة فَإِن حَظّ الْمُجَاهدين وَالشُّهَدَاء من حَيَاتهَا وَنَعِيمهَا أعظم من حَظّ غَيرهم وَلِهَذَا قَالَ ابْن قُتَيْبَة لما يحيكم يَعْنِي الشَّهَادَة وَقَالَ بعض الْمُفَسّرين لما يحيكم يَعْنِي الْجنَّة فَإِنَّهَا دَار الْحَيَوَان وفيهَا الْحَيَاة الدائمة الطّيبَة حَكَاهُ أَبُو عَليّ الْجِرْجَانِيّ وَالْآيَة تتَنَاوَل هَذَا كُله فَإِن الْإِيمَان وَالْإِسْلَام وَالْقُرْآن وَالْجهَاد يحي الْقُلُوب الْحَيَاة الطّيبَة وَكَمَال الْحَيَاة فِي الْجنَّة وَالرَّسُول دَاع إِلَى الْإِيمَان وَإِلَى الْجنَّة فَهُوَ دَاع إِلَى الْحَيَاة فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَالْإِنْسَان مُضْطَر إِلَى نَوْعَيْنِ من الْحَيَاة حَيَاة بدنه الَّتِي بهَا يدْرك النافع والضار ويؤثر مَا يَنْفَعهُ على مَا يضرّه وَمَتى نقصت فِيهِ هَذِه الْحَيَاة ناله من الْأَلَم والضعف بِحَسب ذَلِك وَلذَلِك كَانَت حَيَاة الْمَرِيض والمحزون وَصَاحب الْهم وَالْغَم وَالْخَوْف والفقر والذل دون حَيَاة من هُوَ معافى من ذَلِك وحياة قلبه وروحه الَّتِي بهَا يُمَيّز بَين الْحق وَالْبَاطِل والغي والرشاد والهوى والضلال فيختار الْحق على ضِدّه فتفيده هَذِه الْحَيَاة قُوَّة التميز بَين النافع والضار فِي الْعُلُوم والإرادات والأعمال وتفيده قُوَّة الْإِيمَان والإرادة وَالْحب للحق وَقُوَّة البغض وَالْكَرَاهَة للباطل فشعوره وتمييزه وحبه ونفرته بِحَسب نصِيبه من هَذِه الْحَيَاة كَمَا أَن الْبدن الْحَيّ يكون شعوره وإحساسه بالنافع والمؤلم أتم وَيكون ميله إِلَى النافع ونفرته عَن المؤلم أعظم فَهَذَا بِحَسب حَيَاة الْبدن وَذَاكَ بِحِسَاب حَيَاة الْقلب فَإِذا بطلت حَيَاته بَطل تَمْيِيزه وَإِن كَانَ لَهُ نوع تَمْيِيز لم يكن فِيهِ قُوَّة يُؤثر بهَا النافع على الضار كَمَا أَن الْإِنْسَان لَا حَيَاة لَهُ حَتَّى ينْفخ فِيهِ الْملك الَّذِي هُوَ رَسُول الله من روحه فَيصير حَيا بذلك النفخ وان كَانَ قبل ذَلِك من جملَة الْأَمْوَات فَكَذَلِك لَا حَيَاة لروحه وَقَلبه حَتَّى ينْفخ فِيهِ الرَّسُول من الرّوح الَّذِي ألْقى إِلَيْهِ قَالَ تَعَالَى
{يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ من عباده} وَقَالَ {يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى من يَشَاء من عباده} وَقَالَ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا لايمان وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا فَأخْبر أَن وحيه روح وَنور فالحياة والاستنارة مَوْقُوفَة على نفخ الرَّسُول