{قُلْ هُوَ مِنْ عِنْد أَنفسكُم} فالمراتب ثَلَاثَة أخسها أَن تَشْكُو الله إِلَى خلقه وأعلاها أَن تَشْكُو نَفسك إِلَيْهِ وأوسطها أَن تَشْكُو خلقه إِلَيْهِ
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتجِيبُوا لله وَالرَّسُول إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يحيكم وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلبه وَأَنه واليه تحشرون فتضمنت هَذِه الْآيَة أمورا أَحدهَا أَن الْحَيَاة النافعة إِنَّمَا تحصل بالاستجابة لله وَرَسُوله فَمن لم تحصل لَهُ هَذِه الاستجابة فَلَا حَيَاة لَهُ وَإِن كَانَت لَهُ حَيَاة بهيمية مُشْتَركَة بَينه وَبَين أرذل الْحَيَوَانَات فالحياة الْحَقِيقِيَّة الطّيبَة هِيَ حَيَاة من اسْتَجَابَ لله وَالرَّسُول ظَاهرا وَبَاطنا فَهَؤُلَاءِ هم الْأَحْيَاء وَإِن مَاتُوا وَغَيرهم أموات وَإِن كَانُوا أَحيَاء الْأَبدَان وَلِهَذَا كَانَ أكمل النَّاس حَيَاة أكملهم استجابة لدَعْوَة الرَّسُول فَإِن كَانَ مَا دَعَا إِلَيْهِ فَفِيهِ الْحَيَاة فَمن فَاتَهُ جُزْء مِنْهُ فَاتَهُ جُزْء من الْحَيَاة وَفِيه من الْحَيَاة بِحَسب مَا اسْتَجَابَ للرسول قَالَ مُجَاهِد لِمَا يحيكم يَعْنِي للحق وَقَالَ قَتَادَة هُوَ هَذَا الْقُرْآن فِيهِ الْحَيَاة والثقة والنجاة والعصمة فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَقَالَ السّديّ هُوَ الْإِسْلَام أحياهم بِهِ بعد مَوْتهمْ بالْكفْر وَقَالَ ابْن إِسْحَق وَعُرْوَة بن الزبير وَاللَّفْظ لَهُ لِمَا يحيكم يَعْنِي للحرب الَّتِي أعزكم الله بهَا بعد الذل وقوّاكم بعد الضعْف ومنعكم بهَا من عَدوكُمْ بعد الْقَهْر مِنْهُم لكم وَهَذِه كل عِبَارَات عَن حَقِيقَة وَاحِدَة وَهِي الْقيام بِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُول ظَاهرا وَبَاطنا قَالَ الواحدي وَالْأَكْثَرُونَ على أَن معنى قَوْله لما يحيكم هُوَ الْجِهَاد وَهُوَ قَول ابْن إِسْحَق وَاخْتِيَار أَكثر أهل الْمعَانِي قَالَ الْفراء إِذا دعَاكُمْ إِلَى إحْيَاء أَمركُم بجهاد عَدوكُمْ يُرِيد أَن أَمرهم إِنَّمَا يُقَوي بِالْحَرْبِ وَالْجهَاد فَلَو تركُوا لجهاد ضعف أَمرهم واجترأ عَلَيْهِم عدوهم قلت الْجِهَاد من أعظم مَا يحيهم بِهِ فِي الدُّنْيَا وَفِي البرزخ وَفِي الْآخِرَة أما فِي الدُّنْيَا فَإِن قوتهم وقهرهم لعدوهم بِالْجِهَادِ وَأما فِي البرزخ فقد قَالَ تَعَالَى وَلا تَحْسَبَنَّ